طفل يقودنا
مع انقضاء السنة الثالثة عشرة على دخول أعتاب الألفيّة الثالثة، ما زال الشر يبدو وكأنّه يهزم براءة أطفالنا حول العالم: يقتلهم بالملايين بين إرهاب وإجهاض، إهمال وسوء مثال... يشوّه وجه الطفولة البشرية على مدى مجتمعاتنا الإستهلاكية... فتتكرر مأساة أطفال بيت لحم ولكم من هيرودس يخاف استقبال الحياة يتسلل إلى دروب يومياتنا!!!
وأمام هذا الواقع الذي يجرّح الطفولة كان لا بد من طفل يشفي... وحده قادر على الإنزلاق والنزول إلى تلك الأماكن العميقة المظلمة الخالية من روح الحياة، الخالية من الله فيحمل إليها النور والشفاء!!!
نعم: نحن بحاجة إلى هذا الطفل الإلهيّ ليقودنا إلى الشفاءات... إلى الحياة!!!
ولربّ سائل كيف يمكن لطفل صغير أن ينوّرنا و يقودنا على دروب آمنة في هذه الحياة الداكنة الشائكة والكثيرة الإحتياجات ؟؟؟
في الحقيقة، لهذا الطفل الإلهيّ ميزته في التغلب على ظلماتنا... معه يكشف الله عن وجه رحمته اللامتناهية لقلب كل إنسان. قبله كانت عواصف الخوف تصفر في حنايا القلب الإنساني الفارغ. بالنسبة لهذا القلب الله هو ذاك الشرطيّ الأعظم الذي يحمل سجل مخالفاته الذي يطول ... و في ظل هذه الأجواء ما أصعب على الإنسان أن يصدّق أنّه محبوب ! ولكن عندما ذاك الأكبر يرضى أن يصبح الأصغر فيتجسّد ليصير طفلا مستعدًّا ليتغلغل في خفايا القلوب، وأمام لطفه ووداعته، تنفكّ القيود فتتشرع الأبواب!! وأمام هذه الآية الرائعة التي تختبرها عيون القلب الحميمة يداوي حب هذا الطفل جراحات الإنسان الدفينة....
يسوع الطفل!! إنّه يمسّنا بتواضعه ويكسب ثقتنا... يدعونا إلى التغلّب على كل تردّد يمنعنا من "لعبة الحياة" يعطينا بركة "ربّ الحياة" لأنّ مشيئة الله "هي" الحياة!! إنّها المتعة الروحيّة الصرفة: متعة الحبّ الذي يبذل ذاته و يتوحّد مع المحبوب!!
طفل المغارة هذا يتوق للسكن في حياتنا ويبحث عن قلبنا مذوداً صغيراً يرضى أن يستريح فيه... ولكن كما في بيت لحم قلّما يُستضاف!!! بيت لحم منهمكة بخدمة زبائنها ونحن نبحث عمّا يشغلنا علّنا ننسى ذاك" الفندق الرديء" الذي يستضيفنا: القلب الفارغ... نجهل أنّه بتقديم قلبنا له نحوّل مغارتنا الفارغة المظلمة إلى سماء!!
هذا الطفل هو "صورة الله الذي لا يُرى" وفي مجيئه، يدعونا إلى الحب من أجل الحب، وبذلك يدلُّنا على الطريق الوحيد نحو الحرّية والسعادة: الحب المجّاني، الذي هو أعلى من كل سلطة، ومال، ولذّة... يدعونا إلى الطفولة لكي ندخل معه ملكوت السماوات.
يسوع الطفل!! إنّه هنا يقرع على بابنا يودّ أن يسجّل إسمه عندنا كي تقترن أسماؤنا بأبيه السماويّ. ونحن منهمكون بوهم صنع أسمائنا بذرّيّتنا: نرغب بهويّة الأرض فنرفض هويّة السماء ونخسر الإثنين معًا...
حين وصل يوسف وامرأته الحامل إلى بيت لحم، "لم يكن لهما موضع"... فهل نكرّر الخطأ عينه؟ هل نقفل الأبواب بوجه الطفل الحبيب؟؟ أم نفتح ونلعب لعبته ونتركه يقودها لنكتشف أنّ ما هو "حماقة للوثنيين، وعُثار لليهود" إنّما هو "الخلاص الذي يأتي اليوم إلى هذا البيت"!!!