الأحد الثالث بعد الدنح
لقاء يسوع ونيقوديموس يفتتح سلسلة من ثلاث لقاءات:
لقاء يسوع و"المعلم في اسرائيل" الذي عرف الوحي وقبله وينتظر خلاص اسرائيل، ولقاء يسوع والمرأة السامرية (يو 4، 1-42) (الشعب الذي قبل الكتاب ولكنه ابتعد عن الهيكل واختلط بالغرباء) وفي النهاية الرجل الوثني (4، 43...).
رسالة يسوع بدأت تعتلن في يوحنا، جاء ليعلن ارادة الآب للعالم كله بدءا من الشعب اليهودي.
(يوحنا 3 / 1-16)
لقاء يسوع ونيقوديموس هو لقاء تملؤه التناقضات:
نيقوديموس جاء ليرى النور، لكنه جاء ليلاً: هل هو الخوف من أن يتّهم بأنه تابع ليسوع فيفصل عن المجمع؟ سوف يشار دوما في الانجيل الرابع إلى نيقوديموس بأنه "الذي جاء ليلا الى يسوع" (7، 50؛ 19، 39). إنّما الليل هو وقت الصمت، ومعلّمو اسرائيل كانوا يختارون الليل للتأمل في كلمة الله ودرسها: نيقوديموس اتى ليتأمل في المسيح كلمة الله؟
نحن نعرف: هو التناقض الثاني الذي يورده يوحنا: نيقوديموس هو ممثل الشعب اليهودي في لقاءه بالمسيح، والشعب اليهودي يعرف الكتب وكلام الانبياء، إنّما المعرفة العقلية غير كافية. للدخول في علاقة مع المسيح لا تكفي المعرفة بل الحب، العودة إلى حالة الطفولة، لذلك جوابا على معرفة نيقوديموس، يدعوه المسيح لأن يولد من جديد.
يولد من جديد: التناقض الثالث: كيف يمكن لشيخ أنْ يولد ثانية. الكلمة اليونانية التي استعملها يوحنا يمكنها أن تحتمل اكثر من معنى: - الولادة من جديد – الولادة من أعلى – الولادة منذ البدء. وباستعماله لهذه العبارة اراد يوحنا من القارىء ان يفهم قول المسيح بالمعاني الثلاثة: فالولادة من جديد هي الولاية من أعلى، اي الولادة من الماء والروح، ففي المعمودية لا يشيخ ولا طفل، نولد كلنا ابناء الله بالنعمة.
هذه الولادة من أعلى هي ولادة الانسان الروحي، لذلك يقول يسوع لنيقوديموس: "مولود الجسد جسد" بينما نيقوديموس، ممثل لكل يهودي يريد اتباع المسيح، مدعو لأن يولد من جديد بقلب جديد (حز 11، 19).
- الريح والروح، هو ايضا استعمال لغوي للعب على الكلام فروح وريح لها نفس الكلمة اليونانية، ونيقوديموس الذي لم يفهم اولا الفرق بين الولادة من جديد (جسديا) والولادة من عل (روحيا) لن يفهم الفرق بين عمل الروح الذي يهب، مثل الريح لا يقدر الانسان أن يعرف مصدره (عودة الى فعل "عرف" الذي بدأ حديثه به نيقوديموس) مولود الروح هو مثل الريح – الروح، مصدره الهي لا جسدي لذلك لا يمكن لمن هو تحت عبودية المادة ان "يعرفه".
- التناقض الكبير هو جهل المعلم الكبير نيقوديموس: نيقوديموس جاء الى يسوع قائلاً: نحن نعلم يا معلم ان الله ارسلك معلماً واراد اختباره. وفي الآية 9-10 يظهر جهل المعلم اليهودي وتتجلى معرفة يسوع الناصري: لا يمكن التعرف على يسوع كمرسل من الله ومسيح الرب فقط على ضوء العقل او الكتب، بل هي دعوة للايمان والدخول في علاقة شخصية، علاقة ايمان ومحبة.
- الانتقال من الأنا الى النحن: هذا الانتقال يشير الى ان من يتكلم الآن هي جماعة الكنيسة التي اخذت على عاتقها اكمال عمل يسوع وهي تقول ما تعلم، ليس كما كان نيقوديموس يعلم، انما معرفة الكنيسة مبني على اختبارها الشخصي مع يسوع المسيح.
آية 13: يؤكد يسوع مجدداً على ان المعرفة الحقيقية هي التي تأتي بواسطة الوسيط الوحيد بين الارض والسماء، هي جواب الكنيسة على من يدعي امتلاك معرفة اسرار الله بمعزل عن يسوع المسيح
- الحية المرفوعة في البرية صورة عن يسوع المرفوع على الجلجلة.
- تشبيه يسوع بالحية النحاسية يشير ايضا بطريقة غير مباشرة الى ان يسوع جاء يتمّم فعل الخروج من مصر الخطيئة الى اسرائيل النعمة، وينقل بصليبه الشعب من حالة الموت الى الحياة لذلك ارسل الله ابنه، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، فكما ان ايمان الناظرين الى الحية النحاسية شفى العبرانيين من الموت الجسدي، كذلك يخلص من الموت الأبدي كل من يؤمن بأن يسوع المسيح هو المخلّص المرسل من الله.