عظات
١٢‏/٩‏/٢٠١٧ زمن الصليب | الأب بيار نجم ر.م.م

الأحد الرابع من زمن الصليب

السهر والتّرقب، عنصران أساسيّان في الحياة الرّوحيّة يُظهران لنا معنى الإيمان المسيحيّ. يعطي الرّب هذا المثل لتلاميذ كان يحترقون رغبة في معرفة "متى يحدث هذا"، "متى يكون دمار الهيكل"، "متى تكون نهاية الأزمنة"، ومتى يكون المجيء الثاني!

هي أسئلة نطرحها نحن أيضاً اليوم، ولكننا لن نحصل إلاّ على هذا المثل كجواب لتساؤلاتنا.

(متى 24: 45 - 51)

"مَنْ هُوَ العَبْدُ الأَمِينُ الـحَكِيْمُ الَّذي أَقَامَهُ سَيِّدُهُ عَلى أَهْلِ بَيتِهِ، لِيُعْطِيَهُمُ الطَّعَامَ في حِينِهِ؟ طُوبَى لِذلِكَ العَبْدِ الَّذي يَجِيءُ سَيِّدُهُ فَيَجِدُهُ فَاعِلاً هـكَذَا! أَلـحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّهُ يُقِيْمُهُ عَلى جَمِيعِ مُمْتَلَكَاتِهِ. ولـكِنْ  إِنْ قَالَ ذلِكَ العَبْدُ الشِّرِّيرُ في قَلْبِهِ: سَيَتَأَخَّرُ سَيِّدِي! وبَدَأَ يَضْرِبُ رِفَاقَهُ، ويَأْكُلُ ويَشْرَبُ مَعَ السِّكِّيرِين، يَجِيءُ سَيِّدُ ذلِكَ العَبْدِ في يَومٍ لا يَنْتَظِرُهُ، وفي سَاعَةٍ لا يَعْرِفُهَا، فَيَفْصِلُهُ، ويَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ الـمُرَائِين. هُنَاكَ يَكُونُ البُكَاءُ وصَرِيفُ الأَسْنَان".

فالإيمان هو جواب من الإنسان على مبادرة إلهيّة. إنّه الدخول في علاقة مع إله بادر الى الإنسان بنعمة مجّانيّة، وأراد أن يجعل منه صديقاً له ويعطيه الحياة. وبالإيمان يجيب الإنسان على هذه الدعوة. الله لا يعطي ضمانات حسيّة ملموسة، بل يعطي مبادرة ويطلب ثقة الإنسان به وقبوله له. منطق الله هو منطق الأب لا منطق التاجر، كالأب يقدّم لنا حبّه، وحنانه، وحمايته، يعدنا بميراثه إن إلتزمنا بمنطقه، يطلب منّا مشاركته حياته. أبونا الإلهيّ قدّم لنا الدخول في علاقة حبّ أبوّي، أعطانا معنى لوجودنا، رفعنا من مستوى الوجود الماديّ المائت، وأفهمنا أن وجودنا يتخطّي الحياة الحيوانيّة الماديّة البحتة. لقد خلقنا ووضع في داخلنا الرغبة بالحياة الأبديّة، ووضع في قلبنا التوق الى ما يتخطّى حدود بعدنا الجسديّ. لقد خلقنا كائناً يسعى الى الحبّ الأبديّ.

جوابنا لهذه الدعوة لا يمكن أن يكون جواباً عقليّاً مبنيّاً على المنطق على الحسابات، بل على الإيمان. والإيمان بالمنطق المسيحيّ هو ثقة بالله الذّي يدعونا لأن نكون أبناء له، واستسلاماً مطلقاً لمخطّطه ولمشروعه الخلاصيّ في حياة كلّ واحد منّا. الإيمان قد تبدو بهذا المعنى قفزة في المجهول، فالله لا يعطينا الضمانات الحسيّة والمنطقيّة، ولكنّه يعطينا ضمانة الحبّ والثقة. كالطفل بين يدي والده يطلب الله منّا أن نكون: الطفل لا يفكّر في إمكانة سقوطه من بين يديّ والده، لا يتساءل حول مدى قوّة أبيه وكم يمكنه أن يستمرّ في حمله، جلّ ما يفعله الطفل هو الإستسلام لحبّ أبيه، واثق أنّه بين أيدي أمينة، لا يستعمل قوّة المنطق والعقل، بل يستسلم لثقة الحبّ المخلّص.

هكذا هو إيماننا بالله، هو استسلام وجودنا بين يديّ من أحبّنا فخلقنا، ودخل في عهد حبّ معنا، غفر لنا خيانتنا، أعادنا الى صداقته من جديد، أعطانا بدم ابنه الحياة الأبديّة، وفتح لنا طريق الملكوت. وحده الإيمان يمكنه أن يعطينا الضمانات: ضمانة الحبّ لا ضمانات العقل والمنطق.

كان التلاميذ يسمعون الرّب يتكلّم عن "الأيّام الأخيرة"، فسألوا "متى يكون هذا؟". هو فضول الإنسان ورغبته في معرفة مستقبله وأخذ مصيره بيده. هي رغبة آدم وحوّاء بأن يصبحا "مثل الله"، يعرفان الخير والشّر. هي النزعة الداخليّة في كلّ واحد منّا في أن يكون إله نفسه وإله غيره وإله العالم. ولكن ثقة الإيمان تتطلّب أيضاً أن نأتمن مستقبلنا بين يديّ الله. نودعه حياتنا، واثقين أنّه يحضّر الأفضل، لأنّه يحبّنا. الفضول في الحياة الرّوحية قد يكون جيّداً من ناحية الرغبة في معرفة ما هو أعمق، والبحث والتأمّل في ما من شأنه أن يزيد روحانتّنا عمقاً، وصلاتنا حرارة، وحبّنا قوّة. ولكن الفضول يمكنه أن يكون قاتلاً للحياة الرّوحيّة حين يتحوّل من رغبة في معرفة الله بشكل أعمق، الى رغبة في الحلول مكان الله، وفي إمساك حياتنا بقبضتنا، لأن الثقة بالله تنقصنا، وثقتنا بذاتنا تعطينا إطمئناناً أكبر.

أن نؤمن هو أن نثق بقدرة الله في أعطائنا الخلاص، ولكن الثقة هذه ليست ثقة غير فاعلة، ليست ثقة خاملة كسولة، بل هي ثقة فاعلة مجتهدة. فإن كان الإيمان ثقة، فهو كذلك سهر وترقّب، هو استعداد متواصل، لأنّه علامة ثقة بكلمة الله التي سوف تتمّ كما وعد، ولأنّ كياننا يتوق الى الساعة التي سوف نترقّب الله فيها.
مَن هوَ الخادِمُ الأمينُ العاقِلُ الَّذي أوكَلَ إلَيهِ سيِّدُهُ أن يُعطِيَ خَدمَهُ طعامَهُم في حينِهِ:
يطرح الرّب سؤالاً، لا لينال الجواب، بل ليعلن أنّ ما يقوله هو دعوة عامّة. هي دعوة موجّهة لا إلى جماعة الرّسل الفعليّة، بل الى كلّ مؤمن بالرّب، في كلّ زمان ومكان. ما يقوله يسوع هنا هو مقياس لإيماننا ولمدى جهوزيّتنا في قبول ملكوت الله.

يقول الرّب حرفيّاً: "من هو العبد". والعبد في المجتمع الرّومانيّ، كما في المجتمع اليهوديّ المعاصر للمسيح، كان إنساناً، رجلاً أو إمرأة، صار يخصّ بكلّيته سيّده. هي حالة الكائن الّذي صار ملكاً لآخر. وهذه الصورة التي يعطيها الرّب عن المؤمن، وإن صدمت أحياناً شعورنا المعاصر الرافض لكلّ أنواع العبوديّة والإستعباد، هي صورة بغاية الواقعيّة عن الحالة التي يجب أن نحياها في علاقتنا مع المسيح: يقول هو في مكان آخر "لا أدعوكم عبيداً بعد الآن، بل أصدقاء"، دعوتنا إذاً هي إن نرتقي الى حالة الصداقة مع الرّب يسوع، وذلك من خلال وضع كلّ كياننا، شخصنا، قدراتنا، مواهبنا، ذواتنا، أحلامنا، مشاريعنا، مستقبلنا، نضع كلّ شيء بين يديّ يسوع. بهذا نصبح مثل عبيد العالم القديم: كل حياتنا تتعلّق بسيّدنا، لا عن إكراه، ولا بسبب خوف أو حاجة، بل بملء قناعتنا وإرادتنا، نصبح ملكاً للرّب، ويصير هدف حياتنا خدمته والوفاء لصداقته.

لا نقول هذا عن المكرّسين من كهنة أو رهبان أو راهبات فحسب، بل كلّ معمّد هو مدعوّ، بسبب معموديّته، الى أن يضع وجوده وشخصه بأكمله في خدمة الرّب وإنجيله: الأب بحياته يعلن التزامه للإنجيل من خلال تجسيده لصورة الآب السماويّ، فيبذل ذاته في سبيل عائلته، الأم في خدمتها اليوميّة وفي تربيتها لأولادها تعلن حبّ الله للعالم من خلال الحبّ الّذي تحياه. شبيبتنا مدعوّة لأن تكون بكلّيتها لله من خلال الإلتزام بقيم إنجيله. مجتمعنا المسيحيّ لا بدّ أن يكون بأكمله لله، شهادة للحبّ الّذي وهبه الله لنا. هكذا نصبح كلّنا خدّاماً لحضور الله في العالم، نعمل معه من أجل خلاص الكون وإعلان الإنجيل. هكذا، نحن الّذين خلقنا الله أحراراً، نرتفع بحرّيتنا الى ملّ قيمة الحريّة، حين نتحوّل بإرادتنا الى خدّام لله وللإخوة، لتحقيق ملكوت المحبّة في عالمنا.

 من هوَ الخادِمُ الأمينُ العاقِلُ

الأمانة والعقل ميزتان لا بدّ أن يتحلّى بهما كلّ خادم للمسيح، كلّ معمّد: الأمانة هي صفة روحيّة أخلاقيّة، هي الوفاء المطلق للعهد الّذي قدّمه الله والتزمنا به بإرادتنا وبكامل حرّيتنا. الأمانة هي الوفاء لقيم الإنجيل، والعمل على تطبيقها في حياة كلّ يوم وأينما كنّا. دعوتنا هي أن نكون أوفياء لله الّذي أحبّنا في كلّ لحظة من لحظات وجودنا. حياتنا المسيحيّة لا يمكننها أن تتلخّص بساعة يوم الأحد أذهب فيها للمشاركة في الذبيحة الإلهيّة. انتمائي المسيحيّ لا يمكنه أن يتلخّص بعبارة موجودة على هوّيتي أو في سجلاّت الأحوال الشخصيّة. إنتمائي المسيحيّ هو قناعة يوميّة ودائمة، هي حالتي الدائمة لا بدّ أن ترافقني أينما كنت وفي أي وقت من أوقاتي، فأنا، كخادم أمين، وفيّ لوصايا الرّب في حياته، يجب أن أعلن هذا الإيمان بطريقة عمليّة في كلامي، في أفكاري، في صداقاتي، في تصرّفاتي، في أحاديثي ومشاريعي، في معاملتي للآخرين، في إنسانيّتي، في وقوفي إلى جانب من هو محتاج للمادّة أو للسند أو للرفيق أو للحبّ. حالتي المسيحيّة هي مثل كياني، مثل إنسانيّتي، مثل إسمي، مثل ضميري، ترافقني في كلّ لحظة، وأعلنها بفخر، وأحيا بأمانة لمستلزماتها، ليرى العالم ما معنى الوفاء للإنجيل، وما معنى الصداقة الوفيّة للمسيح الوفيّ الدائم.

والعقل هي صفة ترتبط لا بالبعد الرّوحيّ الأخلاقيّ، بل بالبعد العاقل العقلانيّ الّذي يميّز الإنسان عن سائر المخلوقات كلّها.

حين قلنا أن الله لا يعطينا الضمانات الحسيّة والمنطقيّة، ولكنّه يعطينا ضمانة الحبّ والثقة، وقلنا أن الإيمان ليس قوّة عقليّة منطقية، فإننّا لم نعنِ أن لا دور لعقلنا في البحث عن معرفة الله. المسيحيّ هو ليس كائن مدعوّ الى خنق عقله، والإيمان ليس مرتبطاً بالمشاعر فقط، وإلا يصبح الإيمان تعصّباً وطائفيّة وإرهاباً وانغلاق. المؤمن، كخادم عاقل، هو مدعوّ لأن يبحث كيف ينمّي معرفته بالرّب أكثر فأكثر، والعقل يقدر أن يحمله الى التقدّم أكثر نحو هذه المعرفة. لا نخدعنّ أنفسنا: لن يكون العقل قادراً أبداً على إستيعاب سرّ الله بأسره، فالمخلوق لا يحدّ خالقه، والإناء لن يقدر على استيعاب سرّ جابله، ولكن العقل هو عطيّة من الله ميّزت الكائن البشريّ، وعلينا أن نضع كلّ أمكانيّاتنا وطاقاتنا، الرّوحيّة طبعاً، والعقليّة أيضاً، في خدمة التعرّف على الله الّذي يدعونا.

وهكذا يصبح الإنتماء الى الله روحيّاً وكيانيّاً، ويصبح مستنيراً بنور العقل، فنقدر أن نميّز بين ما هو حسن وما هو سيء، بين ما يعطينا الخلاص وبين ما يمكنه أن يقودنا الى الهلاك.

خياراتنا بأسرها يجب أن تكون مستنارة بعقلنا المؤمن، فنعرف ماذا نقرأ، وماذا نشاهد، وماذا نختار، وأين نذهب، ومن نعاشر، والى أي جماعات ننتمي. لا بدّ لنا، إن كنّا نريد أن نكون خدّاماً أمينين وعاقلين، أن نعرف التميّيز بين ما يُرضي الله وما لا يرضيه، بين ما يبنينا وما يهدمنا، بين ما يعطينا الخلاص وما يعطينا الهلاك.

أوكَلَ إلَيهِ سيِّدُهُ أن يُعطِيَ خَدمَهُ طعامَهُم في حينِهِ

ينطلق الإنجيليّ في هذا النّص من معرفته بحالة العبيد في المجتمع الرومانيّ واليهوديّ أيضاً. فالعبيد لم يكونوا للأعمال الشاقّة فقط، بل كانت عادة البيوت الميسورة أن توكل أدارة بيوتها الى عبد أمين يستلم شؤون، لا العبيد فقط والخدّام، بل أفراد العائلة أيضاً. ينطلق الرّب من هذا الواقع ليقول لنا أن الله قد وثق بنا فأسلمنا شؤون بيته وأوكل إلينا الإهتمام بعائلته البشريّة.

إن وجودنا كتلاميذ للسيّد يظهر بعلامتين رئيسين:

تساوينا بالآخرين، عالمين أنّنا كلّنا خدّام للسيّد، وأنّ هدف وجودنا هي الخدمة، خدمة الكلمة ونشر الإنجيل من خلال شهادة حياتنا اليوميّة. 

أنّنا نحيا في جماعة، نحيا مع "الخدّام الآخرين"، وهدف وجودنا هو أن نعطي لكلّ إنسان الطعام في حينه. لا يتكلّم الربّ عن الطعام المادّى فحسب، بل يتكلّم عن الطعام في حينه، أي عند حاجة الإنسان لهذا الطعام. الطعام في الكتاب المقدّس يرمز، كما الخبز، الى الحياة، ودعوتنا هي أن نعطي لكلّ أخ محتاج الحياة، أن نكون لا حجر عثرة أمامه، بل صخرة يتّكئ اليها في حاجته، معهما كان نوع حاجته: حاجة مادّة، روحيّة، نفسيّة، عاطفيّة، حاجة الى الرفيق يساعده، أو الى كلمة تشجيع أو تعزية... دعوة الله لنا هي أن نعي دورنا وأهمّية وجودنا كاستمراريّة لوجود سيّد البيت، نحيا أيّامنا مترقّبين قدومه، لا ترقّب الخائف، ولا انتظار المهمل، بل منتظرين بشوق وحبّ عودة المسيح، غير خائفين من عقاب لأننّا نعلم أن قد قمنا بكلّ ما أوصانا الرّب بعمله، فكنّا تجسيداً لحضوره في العالم وبين البشر حين كان غائباً عنّا بالجسد.

بحرّيتنا نختار خدمة الرّب وبحرّيتنا نرفض صداقته، وعلى حرّيتنا أن تتحمّل مسؤوليّتها أمام سيّد البيت حين يعود. فالمشكلة مع هذا الخادم غير الأمين ليس فقط أنّه أساء استعمال خيور سيّده، فاستثمرها للذّته الشخصيّة، ولكن، يقول الرّب، أخذ يضرب الخدّام الآخرين. لقد جعل الإنسان نفسه أعلى من إخوته، وجعلهم عبيداً لرغباته: هي خطيئة الكبرياء وقلّة العدالة، لقد خلق الله البشر متساوين، يتميّزون بكرامة إنسانيّة كونهم أولاد الله، وجعل الخليقة في تصرّفهم ليتعاملوا معها بما يليق بالكرامة المعطاة لهم. الإنسان، بجشعه، قادر على إلحاق الظلم بأخيه الإنسان، والظلم هو خطيئة ضدّ عدل الله. قلّة العدالة هي قتل لمن هم أضعف منّا، وعقاب الله الّذي يتكلّم عنه الإنجيل معبّر جدّاً:  فيُمزِّقُهُ تَمزيقًا ويَجعلُ مصيرَهُ معَ المُنافِقينَ

فعل مزّق تعني الإنسان المقسّم الى أجزاء عدّة، هي نتيجة الخطيئة التي تمزّق حياتنا الرّوحيّة وتجعلنا نحيا في حالة من الفصام بين قناعاتنا وما نقوم به، بين ضميرنا الّذي يسمع صوت ربّ البيت ولذّتنا التي تجذبنا الى استغلال غيابه وظلم الآخرين واستعبادهم، هو الإنقسام والتمزّق الّوحي الّذي يقود الإنسان الى الموت الرّوحيّ إن لم يتب. هي دعوة لنا أن لا نكون بين المنافقين: بين الّذين يؤمنون بالله بالعقل أو باللّسان، وهم في الفعل أبعد ما يكون عن درب الإيمان وعن بنّوة الله، هو المنافقون لأنّهم يظنّون أن بخداعهم الآخرين يقدرون أن يخدعوا صوت الله في ضميرهم وشخص المسيح في حياتهم. من يحيا التمزّق بين الإيمان والعمل هو منافق، مصيره الإنفصال عن المسيح لأنّه قد اختار بنفسه هذا الإنفصال، حين اختار أن يحيا في حياته طريق الظلمة والضلال.

 

إنجيل اليوم هو نداء لنا لنكون على حجم دعوة الله في حياتنا، فنعي أنّ حياتنا لا بدّ أن تكون مرآة تعكس حبّ الله، وأن حضورنا في هذا العالم بين الإخوة هو حضور يخدم نمّو الآخرين ويجذبهم نحو شخص المسيح، وأن الهدف الأخير لوجودنا هو أن نحيا بكلّيتنا كسفراء للسيّد وكوكلاء لكلمته، نحمل إنجيله الى الآخرين، ننطق بكلماته، نحافظ على إخوته وننتظر بشوق وترقّب عودته لنصبح معه شركاء في الحبّ الثالوثيّ، ونرث ملكوت السماوات، لا، بل نحوّل عالمنا هذا الى صورة مسبقة لهذا الملكوت الّذي أعدّه الله للّذين يحبّونه.