تكريس لبنان والشرق لقلب مريم
البطريرك مار بشارة بطرس الراعي.
يا مريم العذراء، يا أمّ الإله وأمّنا، أنتِ الّتي اختاركِ الله الآب لتكوني، بفعل الروح القدس، أمًّا لابنه المتجسّد، فأطعتِه طاعة الإيمان، واتّحدتِ، بفضل أمومتكِ، بابنكِ يسوع، اتّحادًا فريدًا، فأصغيتِ إلى كلماته، وتأمّلتِها في قلبِكِ، ورافقتِهِ في حياتِه الخفيّة في الناصرة، حيثُ كان ينمو بالقامة والحكمة والنعمة أمام الله والناس، ووجّهتِ إليه مَن التجأ إليكِ كما في عرس قانا، وتألّمتِ معه بقلبِكِ الأموميّ على الصليب، فشاركتِه بالفداء الّذي أتَمّه، هو مخلّص العالم الوحيد، من أجل البشر جميعهم في كلّ مكان وزمان. فشملتْ أمومتكِ الروحيّة كلّ البشر والشعوب، على تنوّع انتماءاتهم وثقافاتهم. واليوم، وبعد أن رُفعتِ إلى مجد ابنكِ القائم من الموت، تتابعين رعايتكِ لهم، بتشفّعكِ من أجلِهم، ليقبلوا نِعَمَ الربّ الّتي تقودُهم إلى الملكوت السمويّ.
يا سيّدة لبنان، نسألُكِ أن تشملي بعطفكِ وطنَنا الحبيب لبنان وكلَّ الشرق، هذه المنطقة الّتي على أرضها تحقّقَتْ أحداثُ التدبير الخلاصيّ، وانطلقَتِ الكنيسة بدافع الروح القدس، حاملةً البُشرى السارّة إلى كلّ الشعوب، وشاهدةً للسيّد المسيح حتّى الاستشهاد، ومحافظةً على وديعة الإيمان، تنقلها من جيلٍ إلى جيلٍ، إلى أن وصلتْ إلينا.
يا أم الكنيسة، ساعدينا بشفاعتكِ، نحن أبناءها وبناتها، الّتي أنتِ منها ومثالها وأمّها ومعلّمتها، لكي نعيش شركة المحبّة فيما بيننا، ونشهد للقِيم الإنسانيّة والمسيحيّة في حياتِنا العائليّة والاجتماعيّة والوطنيّة ونعمل على تعزيزها في لبنان والشرق، ونجعل منها حاضرةً ترتقي بالإنسان إلى الإصغاء بطواعيّة فُضلى إلى الله، الّذي يخاطبه باستمرار.
يا أمّ البشر والشعوب، نلتمس منكِ، أنتِ الّتي تعرفين آلام الناس وأفراحهم، مخاوفَهم وآمالهم، أن تقيَ بشفاعتك هذه المنطقة، من كلِّ ما يتهدّدها من عنف، وتطرّف، واضطرابات، وانتهاكاتٍ لكرامة الشخص البشريّ، وحقوقه، وحرّيّته، وسلامته، وأن توجّهي جميع أبناء هذا الشرق، على تنوّعهم، إلى الاستنارة بنور الخالق الواحد الّذي يريدنا عائلة بشريّة واحدة، يترابط أفرادها برباط الأخوّة، فيعمل الجميع على بناء مستقبل مُشرق، على أسس التلاقي، والمشاركة، والمحبّة، والعدالة.
نبتهل إليكِ، يا أمّنا، أن تقبلي منّا تكريس لبنان والشرق إلى قلبك الطاهر وإلى عنايتكِ، وحمايتكِ، فنكرّس ذواتنا لله، بفعل الروح القدس، على مثال الابن الوحيد، الّذي كرّس ذاته لأبيه السمويّ، بالأمانة له في كلّ ما عمل وعلّم، من أجل خلاص البشر. صلّي لأجلِنا، لكي نعيش مقتضيات هذا التكريس، فنتوب عن خطايانا، ونصغي إلى كلمة الله مانحة الحياة، ونجدّد محبّتنا لله بالالتزام بمشيئته، ومحبّتنا للقريب بالمصالحة، والعيش معًا بروح الأخوّة.
إنّنا نسأل شفاعتك يا قدّيسة مريم:
من أجل أن يكون الإنسان منفتحًا على الله ومطواعًا لإرادته، فيعمل لخير البشريّة كلّها، ويساهم في إحلال السلام، تضرّعي لأجلنا؛
من أجل أن نكون أمناء للمسيح يسوع في حياتنا، وشهودًا له بالقول والعمل، وبالمحبّة والمصالحة، وبالخدمة والتضحية، تضرّعي لأجلنا؛
من أجل أن نحمل صليب الألم في النفس والجسد، على مثال المسيح يسوع، ونواجه الصعوبات والمحن بصبر ورجاء، تضرّعي لأجلنا؛
من أجل الأساقفة والكهنة والرهبان والعلمانيّين، ليعضدهم الله في رسالتهم، تضرّعي لأجلنا؛
من أجل المحافظة على قدسيّة الرباط الزوجيّ، ومن أجلِ أن تبقى عائلاتنا كنائس منزليّة، تنقل الإيمان، وتعلّم الصلاة، وتشارك في حياة الكنيسة ورسالتها، تضرّعي لأجلنا؛
من أجل احترام الحياة البشريّة منذ نشأتها حتّى مماتها، تضرّعي لأجلنا؛
من أجل السلام في القلوب، والعائلات والمجتمعات، ومن أجل ترقّي الإنسان، تضرّعي لأجلنا؛
من أجل احترام كرامة كلّ إنسان، وحقوقه، وحرّيّته المدنيّة والدينيّة، وسلامته، تضرّعي لأجلنا؛
من أجل أن تعمل السلطات السياسيّة على تأمين الصالح العامّ، الّذي منه خير الإنسان والأوطان، تضرّعي لأجلنا؛
من أجل أن نتحرّر من الخطيئة الّتي تسبّب الانقسامات والعدّيات، والعنف، تضرّعي لأجلنا؛
من أجل أن نعطي الله الأولويّة في حياتنا، بوجه الروح الاستهلاكيّة والمادّيّة، والانشغالات الدنيويّة المفرطة ومغريات الحياة، تضرّعي لأجلنا؛
يا والدة الإله وسيّدة لبنان، يا كلّيّة القداسة، تشفّعي من أجلنا، لنقبل في وطننا وشرقنا نِعَم الله الّتي أفاضها على العالم، بقدرة الفداء الخلاصيّة اللامتناهية، والحبّ الرحوم الّذي يهدي الضمائر ويقدّس الإنسان، فنرفع معكِ وبواسطتكِ نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدّوس الّذي اختارك، الآب والابن والروح القدس، إلى الأبد.