تأمّلات كهنوتية في أسرار المجد
السرّ الأوّل: قيامة الربّ يسوع وانتصاره على الموت
كم أنت عظيم يا سيد، وكم نحن قليلو الايمان! امام عظمتك نعاين ضعفنا وخوفنا وشكّنا في قدرتك على دحرجة الحجر عن قلبنا وحياتنا وواقعنا.
كم من المرّات حملنا الطيوب وأردنا أن نحنّطك، لأننا ظنّناك ميت، ولم يعد لك وجودٌ في حياتنا. اعتقدنا أنك لم تعد حاضراً في آلامنا وهمومنا ومتاعبنا. ذهبنا نفتّش عن قوى بشرية تزيح حجر الخوف والحزن عن صدورنا، ونسينا انك حاضر.
نسينا انك وحدك تقدر على دحرجة صخور الألم والحزن. وحدك تعطي نوراً جديداً لحياتنا المظلمة، ومعنى مميزاً لوجودنا المتألم.
عفوك يا سيد، لقد ظننا أنك ميت، وذهبنا نحنّطك، لتبقى في حياتنا جثة هامدة لا حياة فيها، تبقى في قلوبنا كالثاوي في القبر البارد، نحملك في داخلنا ولا ينعكس وجودك على حياتنا واقوالنا وافعالنا وفي شهادتنا. دفنّا وجودك في قلوبنا ونسينا انك ملك الحياة، ولا موت فيك، ونسينا أنه بوجودك لا يبقى للموت مكان.
المجد لقيامتك، لأنها قيامتنا، والسجود لانتصارك، ففيه انتصرنا على يأسنا.
أمّنا مريم، يا معلّمة لنا في الايمان، علّمينا كيف نفتّش عن يسوع القائم من بين الاموات، فلا نتزعزع امام مشاكلنا، ولا نيأس من شدة آلامنا.
علمينا ان نكون مثلك في أحلك ساعات الألم، بقيت المرأة المؤمنة. آمين.
السرّ الثاني: صعود الرّب بسوغ إلى السماء
كم أنت قاس احياناً أيها السيد، فأمك وتلاميذك تألموا لموتك، وفتّشوا عن جسدك واختبأوا في العلية، وعندما امتلأوا فرحاً بقيامتك وظنّوا انك سوف تبقى معهم إلى الأبد، ارتفعتَ عنهم".
لم يعرفوا أنك بصعودك تقول لهم: بيتُنا هو بيت الآب، واشتياقنا هو لملكوت السماوات، وغاية وجودنا هي الانطلاق إلى حيث يريدنا الله أن نكون.
من شدة ألمهم لفراقك بقيت عيونهم تحدّق إلى السماء حيث ارتفعتَ، علّهم يرونك تعود لتكون لهم وحدهم، وأنت تريد أن تكون للكون أجمع. فتشوا عنك في السماء ونسوا أنك موجود معهم على الأرض، في الفقير والمتألم والمحتاج. موجودٌ معهم في الكنيسة والأسرار، موجود في الجماعة، موجود في كل قلب يحبّ، وكل فم يُعلِن اسمك، وكل شفة تعترف أنك انت الله.
ونحن ايضاً ننسى احياناً، فسامحنا يا رب.
ننسى أنك لست لنا وحدنا، انما أنت من خلالنا للجميع، كشفتَ ذاتك لنا وجعلتنا نتعرّف عليك، لا لنمتلكك بل لنقدّمك للبشر كلهم.
نسينا أنك لا تزال معنا في كل لحظة، نحبك في حبنا للفقير، ونخدمك في مساعدتنا للمحتاج ونبلسم جراحك في تعزيتنا للمتألم وللحزين.
إجعلنا يا رب نتذكر دوماً أن ننظر إلى السماء التي اليها صعدت، لا لنهرب من واجب التزامنا بك، ولا تجعل صلاتنا تكون وسيلة هروب من آلام البشر وأحزانهم، بل اجعل عيوننا تنظر دائماً نحو سمائك لتعرف أن شوقنا للملكوت يمرّ دوماً من خلال حبّنا لإخوتك الصغار.
علّمنا يا رب ان نقدّمك للآخرين، فهكذا تعود إلى الأرض التي عنها صعدتَ بالجسد، اجعل وجودنا يا سيد وسيلة عودتك إلى هذا العالم.
يا مريم، أيتها المعلمة في الرجاء المسيحي، علّمينا أن نبقى مثلك، نقبل الملكوت في قلوبنا ونعلنه للآخرين تضحية وخدمة وصلاة.
السرّ الثالث: حلول الروح القدس على مريم والتلاميذ في العليّة
هلم ايها الرب المتنصر واعطنا نحن ايضاً من مواهب روحك القدوس، فوحده روحك يجدّد حياتنا ويقوّي ضعفنا ويملأ نقصنا ويهبنا الفرح والسعادة.
تعبنا يا رب من التفتيش وحدنا عما يملأ حياتنا ويعطيها معنى.
فروح العالم يقدّم لنا المجد الفارغ وروحك القدوس يملأنا سعادة.
روح العالم يقدم لنا اللذة العابرة وروحك الالهي يعطينا فرحاً يدوم.
روح العالم يقدّم لنا عنفاً وحقداً وانتقام، وروحك السماوي يملأنا وداعة ورحمة وغفران.
تعبنا يا سيّدي من البحث عن مياه تروي ظمأنا، ولم نجد الا آباراً مشقّقة، وبقيت قلوبنا عطشى. فاعطنا يا رب من ماء روحك، فوحده روحك يروي ظمأنا ويبلسم جراح نفوسنا الثخينة.
المجد لروحك يا قدوس الآب، لأنه يبدّل تعاستنا فرحاً، وعارنا مجداً.
هلم يا روح الآب وظهر هياكلنا المدنّسة، فبخطيئتنا جعلنا هيكلك مغارة لصوص.
هلم يا روح الابن وامسح بزيت نعمك، فوحدها نعمتك تكمل عمل الخلاص في حياتنا.
نصرخ اليك بدّلنا، واجعل فينا صورة الله المجيدة، فوحدك قادر على رسمها، ووحدك قادر على تحويلنا إليها.
طوبى لك يا مريم، يا معلمتنا في الإصغاء لإلهامات الروح تهمس فينا.
اطلبي لنا أن نكون على مثالك، هياكل مقدسة تنتظر حلول الروح فيها. آمين.
السرّ الرابع: إنتقال العذراء مريم إلى السماء بالنفس والجسد
أيها العجيب والقدوس، يا عمانوئيل إلهاً جباراً، يا أبا الأبد ورئيس السلام. بأي قدرة نشكرك وكيف تقدر انسانيتنا على ايفاءك المديح؟
حين صعدتَ إلى السماء قلنا تهرّباً: صعد وهو الإله، فجاءت أمك بانتقالها تقول لنا: بل صعد وأصعدنا معه.
أيها العجيب القدوس، يا الهاً يبدل واقع الأمور ويدخل إلى عمق اعماقنا ويزرع فيها روحاً جديداً ومعنى جديداً.
شكرًا لك لأنك اعطيتنا مريم اماً لنا، تعلّمنا أن قدرة ابنها اقوى من كل شرّ أو ألم: ففي بشارتها ولدتنا ابناء الله طائعين لارادته، وبميلادها اياك صارت اماً تعلمنا اعطاء كلمة الله للكون، وبوقوفها تحت الصليب علمتنا معنى انتصار الحب على اليأس، وساعة قيامتك علمتنا أن النور يشرق دوماً لمن آمن بقدرتك، والآن بانتقالها تقول لنا اننا دُعينا للانتقال إلى مجد الله، فنحن اكثر من تراب، نحن صورة الله ومثاله، مكاننا السماء ورغبتنا قلب الآب ودعوتنا القداسة.
فاطلبي لنا يا ام فادينا أن نسعى دوماً إلى جمال السماء، وسعادة الحياة مع ابنك، علّمينا ان نجاهد كما جاهدت ونتعب كما تعبتِ لنستحقّ أن ندعى لله ابناء، ونكون مثلك وتحت كنفك، من سكان بيت الآب.
لك السلام إلى الأبد. آمين.
السرّ الخامس: تتويج العذراء مريم من الثالوث القدّوس سلطانة على السماوات والأرض
أيتها الفقيرة التي أصبحت ملكة السماوات.
أيتها المتواضعة التي شاء الله فرفعها أعلى من كل المخلوقات.
أيتها الترابية التي صارت أعلى من الكروبين وأسمى من السرافين.
يا ابنة آدم التي بطاعتها أعطت آدم الخلاص بالابن الذي بزغ منها.
ايتها الأم التي لم تعرف زوجاً وأعطت الحياة بالجسد لمن اعطى الحياة للوجود.
ايتها البتول التي أخصبت الكون لأنها ولدت خالق الأكوان، وبالنعمة صارت اماً لنا جميعاً
بحبّنا البنوي جئنا اليك، ومعك نكرم ابنك الذي منك أشرق.
يا أمنا الحنون، ويا والدتنا إلى الخلاص جئنا أمامك في هذا المساء نعلن حبّنا وبنوّتنا، نكرّسك ملكة على حياتنا، وعائلاتنا وقلوبنا، نطلب منك أن تكوني لنا الأم الشفوق والمعلمة الحكيمة ترشدنا دوماً دروب ابنها.
يا فجر الخلاص ابقي معنا ولنا أبقي علامة حضور ابنك في وسطنا، فأنت التي تهدينا إلى درب الحياة، تشفعي لنا، وقد خطئنا، واسمعينا دوماً ما قلته في عرس قانا: "افعلوا ما يأمركم به ابني" لنستحق الدخول إلى وليمة الحمل.
لك السلام يا شفيعة قادرة. آمين.