"إن كنت إبن الله..."
صحراء التجربة يومياتنا...
فيها يبث المجرِّب سم الحيّة القديمة: التشكيك بنوايا الله كأب معيل ومعين ل"تحفة" خلقه، الإنسان.
منذ البدء، وكما ورد في الفصل الثالث من سفر التكوين، تسأل الحيّة بمكر:
"أحقاً قال الله: لا تأكلا من كل شجر الجنة؟".
يضع "أبو الكذب" الضلال وسط حقيقة ليزرع الشك الذي هدفه هلاك البشر
(يو 44:8). فالله تكلم فعلًا وأعطى وصية! ولكن الوصية كانت أن كل شجر الجنة مباح عدا شجرة واحدة حجبها بغية الحماية. فقد حذّر الرب الإنسان، منذ البداية، من "ثمرة معرفة الخير والشر" أي من تجربة أن يجعل الإنسان من نفسه إله نفسه والمرجع الوحيد في حسم قرار ما هو الخير وما هو الشر بمعزل عن" ضابط الكل"! حذّره، لأنه عندها سوف يضل طريق الحياة ويختبر معنى أن "يموت موتاً"... وضع الرب أمام الإنسان شجرة الحياة، وكأصلح الأباء شاء له الحياة "على صورته"، ووضع الوصية ليحمي صورة الألوهة في مخلوقه الأحب هذا...
لكن الإنسان بكبريائه ضلّ الطريق، نسي "بنوته" وصدق "أبو الكذب" وإنتسب إليه محاولاً أن يسرق صورة "ألوهة" لم يفهم أنها كانت هدية مجانية عبر عيش علاقة بنوّة، وثقة وطاعة للرب... لا بل تمادى الإنسان في بعض الأحيان محاولاً كجيل بابل،"جيل الإنقسام"، شن حرب على الخالق بغية قتله!!! وكم من ملحدين اليوم يطلقون على أنفسهم لقب "أيتام الله"!!!
صحراء التجربة يومياتنا...
وفيها شاء الرب أن يدخل مُجَرَّباً و يخرج منتصراً ولنا منتشلاً.
في تجارب يسوع، نسمع المجرّب من جديد يشكك بعلاقة البنوّة مع الله مستهلّاً عروضه ب "إن كنت أنت ابن الله". يؤكد كثير من اللاهوتيين أن هذه هي "التجربة" مع ال التعريف. فكل عمل "قاتل النفوس" هذا يتخذ نقطة مركزية ألا وهي التركيز على زعزعة علاقة البنوة هذه! لا يتركنا الرب. فيتضامن من بنوته من جوهر الله نفسه مع الوضع البشري،ويرتضي ان يُجرَّب كما يُجرَّب كل إنسان. وها هو ينتصرعلى تجارب إبليس في الشهوة والسلطة والمال... رافضاً أن يحوّل بنوته للآب إلى "مسيحانية أرضية" يستغل فيها "مساواته للآب كغنيمة"! فلم يلجأ إلى قوى فائقة الطبيعة بهدف تحويل الحجارة إلى خبز أو إبهار الجماهير بإلقاء نفسه من شرفة الهيكل كي تحمله الملائكة! ورفض المساومة مع "ملك هذا العالم" من إجل ثرواته... وبعد هزيمة إبليس هذه، قد يخيّل لنا أن القصة إنتهت غير أن هذا الأخير لا يمل! وما دمنا على هذه الأرض لا يتعب المجرّب من إعادة الكرّة و تكرارها مرات لا تحصى إلى أن تحصل السقطة تلو السقطة. وها نحن نراه يعود ليجرّب يسوع أمام هول الصليب وعليه.
الحيّة القديمة تعود، فنسمع "إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب" (متى27: 40). لكن ها هو "إبن الإنسان" "يتم" عمل المحبة العظيم ومن علو صليبه يختم بالدعاء الشهير: "يا أبتي في يديك أستودع روحي" (لوقا46:23). في ذروة الصليب، يسوع يؤكد ثقته بهذه البنوّة وبالآب مُدخلاً بذلك "البشرية الجديدة" المولدة من جنبه المطعون الى دعوة عيش حياة البنوّة التي تزهر قيامة!!
لو كنت "إبن الله" لما سمح أن تُصلب!!! كم من المرات نسمعها تتردد في أعماقنا ونحن نعاني من عبء صلبان حياتنا!!! لو كنت "إبن الله" لما ظُلمت، لما تشردت، لما هُجّرت و هُمّشت أو تألمت... فحبذا، في خضم هذه التجربة، أن ندرك أن ساعة صليبنا هي ساعة "مجد". فشرّاح الكتاب المقدس يخبروننا أن التعريف المرجعي لكلمة (مجد) من العهد القديم هو"ثقل" من التواجد. إنه ”ثقل“ حضور الله... في الصليب ”يكثّف“ الرب حضوره في سبيل تحقيق الخلاص الموعود لأبنائه. الألم لا بد منه على هذه الأرض والرب بتجسده لم يلغه إنما أغرقه بحضوره، دخل آلامنا محوّلاً إياها من مصدر يأس وهلاك إلى وسيلة قداسة وبطولة!
صحراء التجربة يومياتنا...
فهل نثق بعناية هذا الآب الذي نردد له يومياً دعاء "أبانا في السماوات"؟! اليوم، كما كل يوم ما دمنا نتنفس، من المحتم أن نسمع تشكيك المشكك بأبوته لنا، ومع تحديات الحياة و صلبانها سيدخل قلب كل منا سؤال "إن كنت أبن الله، هل...؟؟؟" عندها فلنذكر معموديتنا ولنتمنطق بالمسيح وبثقة الأبناء المتسلحين بالروح: فلنسير، دون خوف، طريق المحبة الواثقة المكللّة بالغلبة!