"مرايا الله"
في ليل إيمان العالم حيث تنازع أنوار الحب، تبقى الكنيسة الأمّ، علامة الرجاء التي تميّز بحكمة الروح القدس، قائدها، حاجات الأزمنة التي نعيش. وعليه، ها هي تعلن إبتداءً من الثامن من كانون الأول 2015، يوبيل للرحمة = سنة مقدّسة تثبّت النظر مجدداً على الرحمة الإلهيّة علّنا نصبح بدورنا مرايا لعملها في العالم.
يصف لنا الكتاب المقدس الربّ بالرحيم:
"نور أشرق في الظلمة للمستقيمين. رحيمٌ الربّ الله ورؤوف وبار" - مز112: 4-
علاقتنا به إذن، علاقة احشائيّة (رحم = أحشاء). فهو، من رحم مشيئته، ولدنا ودعانا من العدم إلى الوجود.
وبالتالي، الخطوة الأولى في تعبيد طريق لرحمة الله في حياتنا وعالمنا تكمن في القيام بالمصالحة مع إرادته في أن نحيا، وفي أن نكون... المصالحة مع إرادته في إنتشالنا، جميعاً- دون إستثناء، من العدم الذي نصرّ أنّنا ننتمي إليه: فنركض لنسرق الحياة من الآخر، لنخسر حياتنا نحن الإثنين معاً...
أوّل وجوه رحمة الله تتجلّى بخلقنا من رحم حبّه. ولكي نلمس رحمته علينا أن ندرك أنّه لا يزال في كلّ لحظة يجدّد لنا كلمة الخلق والحياة. ولن تستقيم علاقاتنا بأنفسنا وبالآخرين و لن تتسم بالرحمة، ما لم نقبل كلمة الحياة هذه لا كثقل وجود بل كفرحة نابعة من الثقة بذاك الذي يحبّنا ويريدنا لحياة البركة.
كم هو تعيس مشهد بشريّتنا، حين تتشكّل على وجوهنا ملامح قايين المتناسي بركته والحاسد بركة أخيه! وحينما تصبح قلوبنا تشبه قلب قايين نكسر الهديّة - علامة الحب لتصير علامة تنافس. فنخسر هويّتنا من أجل كسب هويّة الآخر. وندخل في أبشع اشكال العدم، لإنّه حينها نخسر صورة الله الذي فينا... ونموت!!
غير أنّ الله المخلّص مِن العدم الأوّل لن يتركنا إلى الموت الثاني: فتجسّد الحب ولم يتوانى، حتّى مِن علوّ صليبه، عن إعلان دعوته لمشروع محبّة أبديّة لا يعرف الموت لها سبيلا!
"مجد الله هو الإنسان الحيّ" يقول القدّيس إيريناوس، مشيئة الله ورحمته إذن تكمنان في أنْ يحيا الإنسان. ولكن لكي يحيا هذا الأخير، عليه إنْ يتحرر من الأصوات الّتي تقتل فيه الروح، تصمّ آذانه عن دعوة الرحمة التي يطلقها الربّ...
في سنة الرحمة هذه، إذاً، نحن أوّلاً مدعويّن إلى أنْ نفتح أبواب قلوبنا لتتغلغل فيها رحمة الله المتجسّدة في مشيئته بأنْ نشاركه، جميعاً، حياته في محبّة أبديّة... وهناك بركة لا متناهية تكفي الجميع بل تفيض.عندما ندخل هذا المنطق نصبح آنية تحمل مشروع الله، وعندها نصبح مرايا تعكس من طيبته ومحبّته وطبعاً رحمته. قبل الدعوة بأنْ "نرحم" الآخر، علينا أنْ نقبل الرحمة في حياتنا، ففاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه!! ولا يقتصر فهم رحمة الله على نظرة أنّه لا يعاملنا بما نستحقّه عندما "كلّنا أخطأنا وأعوزنا مجده" بل يتّخطاه إلى قبول مشروع ولادة جديدة. مشروع لا يمكن أنْ يتحقّق بمعزل عن فهم "الكلمة" و قبول كنيسته وأسرارها...
"أأنت هو أم ننتظر آخر؟" قلب البشرية المتألّم والمتأمّل يسأل... فعلّنا نقبل دعوة الرب لنا ونكون علامة الرجاء المسيحاني وسرّ رحمته، نقدم من رحم الله عالم جديد فيه: " العميان يبصرون، والعرج يمشون، البرص يبرأون والصمّ يسمعون، الموتى يقومون والفقراء يبشرون". (متى 5:11).