هنا الراهبة ذات الحجاب الأبيض
على تلة مقابل كنيسة المهد، يرتفع دير الكرمليين الحفاة في بيت لحم.
هو لا يزال صلباً بالرغم من مرور أكثر من قرنٍ من الزمن على إنشائه.
صلباً، كتلك الراهبة الصغيرة التي أوكل إليها الرب مهام تأسيسه، صلباً كمريم ليسوع المصلوب التي سارت على مثال أمّها تريزيا الأفيلية سالكةً الى جانب طريق التأمّل والصلاة، حياة العمل والإنتاج و مزهرةً للفضائل الإنجيليّة.
غير أنّ في قصة إنشاء هذا الدير خصوصية غريبة: فبحسب سيرة القديسة العتيدة، هذا المقام هو من تصميم الرب نفسه!
فقد زارها يسوع مراراً آتياً بمخطّط الكرمل الجديد! ولكن لتواضعها العظيم والارتباك بأن يزورها الربّ، احتفظت مريم ليسوع المصلوب بالمخططات في درج. وعندما عاد يسوع يظهر لها للمرة السابعة، ويسلّمها مرة أخرى المخططات المعماريّة، وبينما كانت لا تزال تحمل في يديها هذه الوثائق، دخلت عليها الأم الرئيسة... وإستفسرت... وما هي سوى أيّام والخرائط بدأت تأخذ طريقها لقيد التنفيذ...
بني الدير كحصن، وقد أوضح الربّ سببه الوجيه: إذ ينبغي أنْ يكون هذا الكرمل مكانًا للنضال الروحي، وهو المكان الذي في كنفه تمضي الأخوات الكرمليّات حياة من الصلاة والإماتات من أجل انتصار النور.
واليوم لا يزال كرمل بيت لحم، قويًّا يعكس روح الجهاد ويتردّد في طيّات جدرانه تلك الطوبى التي أعطاها الرب لفقراء الروح. ومن هذا الدير الذي بني على شكل برج، ينطلق الطريق الضيّق المؤدّي لملكوت السماوات؛ يذكّر ببرج داود وفيه لا تزال أخوات مريم ليسوع المصلوب تسهرن في التوسّل لحاجات الكنيسة والعالم بأسره.
أمّا كنيسة الدير فترفع نوافذها فوق مستوى الرؤوس حتى عند الوقوف.
هناك شاء الربّ لزهرات كرمله أن يعاينّ السماء وفقط السماء! فمن خلال حياتهنّ التي تتحوّل لصلاة، هنّ يدفعن صوب السماء عالمنا المترنِّح في مسيره ومصيره!
في هذا الكرمل نرتفع صوب ذوق يسوع المهندس للهيكل والروح.
ومن هذا الكرمل سترتفع مريم ليسوع المصلوب، قدّيسة للكنيسة جمعاء.
في هذا الكرمل، سيتعرّف العالم على زنبقة فلسطين النقيّة التي وسمت كما أرضها بالجراح التي حملها السيّد يوماً محبّة لنا!
ومن هذا الكرمل سنعاين إنتصار القيامة على موت الجسد: فمريم التي كانت في مقتبل العمر كانت قد تعرّضت للذبح بسبب رفضها التخلّي عن إيمانها ولكن الرب أقامها من بين الأموات والعذراء إهتمّت بجرح العنق حتى طاب... وها مريم الصغيرة ستتبلور لتصير قديسة كبيرة تؤسس الأديار!! والأميّة المتواضعة سيعطيها الرب أنْ تكتب الأشعار!
من هذا الكرمل، حيث يعتقد أنّ الملك داود كان يرعى غنمه، ستسطع الراهبة "ذات الحجاب الأبيض" من أمهر الراعيات ل"حياة مستترة مع المسيح في الله".
وفي هذا الكرمل، سيتعرّف العالم المستهتر بمسيحيّي الشرق على الراهبة "العربيّة الصغيرة": أمثولةً في التواضع والبراءة ونقاء القلب، وسبب فخر جديد للشرق ونور في ليل الدرب.