أيضاً هذه السنة: سيأتي...
عندما تستعرض لنا الكنيسة رحلتنا صوب الملكوت، تظهر لنا حركة لولبيّة متصاعدة تتكوّن فيها الدوائر التي تقسِّم لنا السنة الطقسيّة إلى أزمنة. وعليه فعلى أعيادنا أنْ تحمل مع كلّ عامٍ جديد نضوجًا روحيًّا يقرّبنا من الملكوت، رحلة تصاعديّة تجذبنا إلى ملء قامة المسيح.
وعندما "تنعاد علينا" الأعياد وفي الوقت الذي يدعونا فيه الربّ إلى إضافة طبقة من الوعي الروحيّ تحقّق لنا هدفًا جديدًا في إحياء مخطّط حبّه لنا وللعالم، نقف نحن متحسّرين، نقارن هذه الأيام بأخرى مرّت... وغالباً ما نربطها بما دون الربّ قيمة ونستذكر، بأنين، قول الشاعر:" بأيّة حال عدت يا عيد"؟!
وكلّما كبرنا كلّما فرغنا من نعمة الإندهاش!! فقدنا نعمة الطفولة تلك، حين كنّا نقف وأعيننا بكلّ امتنان، بساطة وفرح، لا تملّ من التمعّن بكلّ الخير الذي يحيط... كبرنا وأصبحنا لا نتمعّن إلاّ بما يحبط...
كبرنا لدرجة أنّنا فقدنا الحلم، سئمنا الخلق وابتعدنا عن الإحتفال بالخالق. فقدنا نعمة الربّ بالإندهاش ودخلنا سبات الحياة كما يعرفها العالم...
العالم يقول: "إسترخِ" أمّا الربّ يدعو:"إستيقظ"!!
وهذا العام ها هو من جديد زمن الميلاد، زمن التجدّد:
يدعونا إلى الحلم بما يمكن أن يحقّقه سيّد المستحيل في عمق حياتنا وعقمها.
يدعونا إلى تحويل مرارتنا إلى رجاء، و خوفنا إلى ثقة...
يدعونا إلى عدم توهّم الوصل في حين أنّنا أبحرنا قريباً من الشاطئ.
يدعونا إلى الإنطلاق مجدّداً إلى العمق وعدم الرهبة من فقدان رؤية البرّ فهناك سنتمكّن من رؤية النجوم.
في بشاراته المختلفة من الهيكل إلى الناصرة فأرض يهوّذا وصولاً إلى بيت لحم، وفي حركة ملائكته النشيطة يساعدنا زمن المجيء على فهم كامل لمعنى سرّ الميلاد. فالموضوع ليس مجرّد إحياء ذكرى حدث تاريخي وقع منذ ما يقارب الألفيّ عام، بل هو حدث آني: المسيح يولد الآن... لأنّ أسرار حياة المسيح أبديّة، وهي موجودة أبداً... أسرار متاحة لنا اليوم ومفتاحها الإيمان المتسلّح بنعمة الإندهاش أمام هذا الخالق الحاضر أبداً... أو ليس هو "عمانوئيل"؟
هذه السنة، كبرنا سنة... كبرنا بالهموم لكن بقينا أطفال بالإيمان، مشينا الدوائر ونسينا الصعود، فأخذت أيّامنا تتكرّر وأعيادنا تفقد المعنى سنة بعد سنة... لهذا نصلّي لأجل إكتساب نعمة إندهاش "أنضج" أمام إله الحبّ هذا، إله أكبر من كلّ أثقال الحياة ولكن إله أتى "أصغر" من كلّ التوقّعات... فلنفتح له ونلعب لعبته ونتركه يقودها لنكتشف أنّ ما هو "حماقة للوثنيّين، وعُثار لليهود" إنّما هو في حياتنا الخلاص الذي أتى بالفعل، سوف يأتي، ويأتي بشكل مستمر.