جراح ما بعد القيامة
كثيراً ما تتسبّب آلامنا وموت أحبّاء لنا بالثورة على الله. جراحنا تنزف والشيطان، في مكره، يبثّ سمومه في تلك الفتحات بغية تلويث النفس.
تسمعه في النقمة على ذلك "الإله" الذي يسمح بألوانٍ من آلامٍ مرّة، وفي الشكّ بذاك "الحبّ الكبير" الذي لا مساحة لديه لمليارات من البشر الغارقين في أمواههم ولا من يستجيب...
يتساءل البعض لِمَ لَمْ تلغِ القيامة جروح المسيح، بل بقي جسده موسوماً بها؟؟؟ والحقيقة هي أنّها هنا كالأوسمة تزيّن جسده بعد انتصاره على الخطيئة والشرّ... تؤكّد أنّ محبّته لنا أقوى من الموت، من موتنا على أنواعه.
هو هنا بجراحه يهمس كما دائمًا بصوت متواضعٍ وناعم كي لا يخدش حريّتنا، ولكن بإصرار المحِبّ يذكرنا أنّه عانى العذاب أيضًا وحمل الصليب حبًّا بنا وقدّم ذاته للموت. يقول لنا ألاّ نهاب الموت هذا فإنه ليس النهاية إنما البداية... هو رحم يلدنا إلى أبديّة متجدّدة في معاينة وجه الله... ويعرض معروفًا طوبى لمن ينفتح عليه:
"أتعطيني عذابك و جراحك"؟؟؟
كلّ ما يأخذه يسوع يؤلّهه... وعندما نعطيه جراحنا يوحّدها بذاته فيصبح جرحنا جرحه: جرح الحبّ ومنبع النعمة والعزاء والسلام... ألَمْ يقل أشعيا النبيّ يومًا: "بجرحه شفينا؟؟؟"
لا لن يزول الألم ولكن:
مسحة الحبّ ستحوّله إلى طريق فرح. فالربّ يحوّل الألم العقيم إلى ألم خصيب ومعطاء، يشفي نزف الحياة من جراحنا ويستبدل بؤسنا بها بينابيع متدفّقة.
الألم لا مفرّ منه في هذه الحياة ولكنّه حقيقة ذات حدّين: إمّا يحطّمنا أويمجّدنا... وفقًا لمن سنسلّمه آلامنا.
أمّا الفادي فسيحمل جراحه إلى السماء لأنّها هي التي ستكون أبلغ شاهد لشفاعته لكلّ منّا لدى الله الآب على ما جاء على لسان بطرس الرسول:
"هو الذي حَمَل خطايانا في جسده على خشبة لكي نموت عن خطايانا فنحيا للبِرّ. وهو الذي بجراحه شُفينا"
تكتب القديسة تريزيا الصغيرة في "قصة نفس":
"عندما أصل السماء سيكون بوسعي أن أتأمّل مليًّا على جسد يسوع الممجّد جراحاتي بالذات".
فهل سنسقط قناع الخديعة التي تعتمدها الحيّة القديمة ونحوّل مع المسيح ألَمَنا من مصدر يأس وهلاك إلى وسيلة قداسة وبطولة؟؟؟ أسمعه بحبّ يهمس: حبذا!!!