بين ظل الجلجلة ونور المغارة
على مسافة آمنة قدرها ألفي عام، من السهل جدًا إصدار الأحكام.
أتحدث عن أهل بيت لحم. كثيراً ما ندينهم فإنهم كانوا غافلين عن الرب الآتي اليهم في الخفية.
لم يكونوا له مستعدين، لم يستقبلوه... أبقوه "خارجاً" و معه بقي فرحهم!
ولكن الحقيقة أننا – اليوم– لا نختلف عنهم.
كم مرة نترك أخانا "خارجاً"... وتتعدد الحجج الكثيرة: نختلف عنه بالرأي والرؤية والأسلوب... فنختار القطيعة! وبهذه الأخيرة تشبه ردات فعلنا تلك التي أظهرها أهل بيت لحم، منهم من إعتذر بروية ومنهم بأساليب سلبية. نحن نستسهل الإبتعاد والإبعاد وحتى... الشتيمة! وكثيراً ما نفعل ذلك بحجة الغضب ونغلّفه ب "النيّة السليمة"!
ولكن تبقى الحقيقة أننا حين نُسقط أخانا، معه نُسقط إلهنا. لا يرحل من نجافي وحده، بل أن الرب يذهب معه! نعم، نحن كأهل بيت لحم لا نزال نقفل الأبواب في وجه الرب... نبيع ونشتري، نغضب ونعادي غافلين عن الرب الآتي! في أسوء مآسينا على طرقات نصخب فيها من أجل عيشنا: نحن لا نزال نمر الى جانب فرحنا ولا نتعرف عليه لا بل نطرده خارجا...
في غمرة إعتقادنا أننا وحدنا القابضين على الحقيقة، نطرد من وحده يختصر كل الحقيقة ونتشح بعادات الموت والغفلة في لحظة الولادة واليقظة!!
ولكن للصراحة: مزعج المسيح! ألا يحق لنا بوقت راحة؟! بعيداً عن مزيد من الذنب والمطالبة؟
ألا يعتبر عيد الميلاد وقتًا يمكننا فيه الاستمتاع وعلى ما قال كارل رهنر اللاهوتي ذات مرة، ألا يعتبر عيد الميلاد وقتًا يمنحنا فيه الله إذنًا لنكون في ضيافة السعادة؟
في الحقيقة، الأمر هكذا: عيد الميلاد هو وقت السعادة، السعادة الحقيقية التي لا يمكن أن تكون قائمة على وهم سرعان ما يتلاشى!! ميلاد الرب و"خروجه" من أجلنا يُفهمنا أن "الأنانية" الضيقة التي لا تسع الرب ولا الآخر تصبح لنا سجناً يمنعنا من الوصول الى السعادة المرجوّة. قلوبنا المثقلة بالحقد
والغضب والمرارة لن تقدر أن تكون خفيفة ولا أن تصبح منزلاً للسعادة التليدة!
لا يمكن لكلمة الله ورسالة ميلاده، إذا ما فُهمت، إلا أن تزعج... فمع كل ولادة ألم! ولكن هذا المولود هو سلام يلد بدوره فرح الرب التام!!
في عيد الميلاد ، يؤكد راهنر اللاهوتي، أن الله يعطينا دعوة خاصة للسعادة و كأنه يقول :
"لا تخافوا من أن تكونوا سعداء ، لأنني منذ أن بكيت [ أنا الله]، والفرح هو أكثر ملاءمة من القلق والحزن... لا سيّما لأولئك الذين يعتقدون أن ليس لديهم أمل."
الميلاد، عيدٌ يستمر الى الآباد ... فالله معنا، ولكن هل لنا الشجاعة أن نفتح له الباب؟
عندما يقسى الظرف ولا نعود نرى الهدايا والبحبوحة بين الأكف... ها دعوة الميلاد لنا لا تزال قائمة!
أن نكون سعداء، أن نصوم عن السوداوية والرفضية والأنانية ولنكتشف معاً كيف الله يُستضاف: بالإنفتاح والتسامح واللقاء والإخاء والمشاركة حتى بذاك القليل الذي بالكاد يؤمن "الكفاف"!!
وبهذا فقط نعاين كيف يبدد نور مغارةِ مخلصنا ظلال جلجلتنا... وفي كنف هذا النور نختبر الأفراح حقيقة لا أطياف!