منذ أن بكى الله...
الكرسي الخالي في خضم الأعياد: يذكّر بمن رحل ويوقظ ما نام من الألم ...
فهل يُبعد عيد الميلاد المحزونين عن ميدانه الفَرِح الذي لا يشوبه ترح؟؟
تتحدث أحد الأرامل كيف شعرت خلال عيد الميلاد بعد وفاة زوجها: "لم أكن أريد أن أسمع الترانيم ولم أكن أستطيع أن أهلل للرب. لم أكن أريد أن أرى الألوان وبطاقات العيد... كل ما يحيط كان يؤلمني... وجلّ ما كنت أريده هو أن أُعطى القوة لإجبار نفسي على النهوض من السرير في الصباح، لأنظف أسناني وأواجه العالم الذي يبدو لامبالي لأحزاني ...
ما العمل إذاً؟
قد تكون بداية الحل تكمن أولاً في تعميق الجذور الروحية، لأن صلب الإجابة يكمن فعليّاً في هذه الصداقة مع الله...
ومقاربة الموضوع هنا ليست مجرد مقاربة نفسية إنما حقيقة روحية صرفة.
طفل المغارة، ذاك الحب المتجسد، ليس ببعيد عن معاناة أي منا. هذا الإله الذي "ترك" علياء سماه ليولد في برد الشتاء، يبالي... إله الحب هذا يمكن الوثوق به ويستطيع أن يقلب الموازين.
يتحدث البابا فرنسيس عن عيد الميلاد على أنه لقاء الأمل والحنان. هو لقاء مع يسوع سر العزاء ...
فلتُقبِل القلوب الحزينة والثقيلة لتكتشف أعماق المغارة.
هناك أمام المشهد الميلادي المتجرد من "أسباب الفرح" كما يفهمه العالم ولكن الممتلىء من الفرح الحقيقي كما يدركه الحكماء: كل قلب، لا سيما المحزون أو المضطرب، مدعو للمس الطفل الإلهي. في صلب هذا المشهد الله يعطينا دعوة خاصة لنكون سعداء، على حد تعبير راهنر: "لا تخافوا أن تكونوا سعداء، لأنه منذ أن بكيت [أنا الله]، الفرح هو الأكثر ملاءمة لحياتكم من أي قلقٍ أو حزن. لأولئك الذين يعتقدون أن ليس لديهم رجاء أو أمل... لست ببعيد، حتى لو أنكم لا ترونني الآن… أنا هنا. إنه عيد الميلاد. أنيروا الشموع. فالنور الحق غلب الظلام. إنه عيد الميلاد. عيد الميلاد الذي مضى و يستمر إلى الأبد".
كرحلة الرعاة والمجوس قد تكون الرحلة إليه طويلة، شاقة أو خطيرة... ولكن ليس هناك ما هو أكثر خطورة من حياة تفتقد المسيح. والحياة نفسها هي رحلة، رحلة حج تبحث عن السعادة. والطوبى لمن له حكمة سلوك طريق المغارة: فهناك يجد الهوية والمصير كما خطط مبدع الحياة: "جئت لتكون لهم الحياة ولتكون بوفرة"
(يوحنا 10/10)
هناك تدرك القلوب الحزينة، أن الأفراح وفيرة وأن الحب أقوى حتى من الموت نفسه!! هناك أمام طفل المغارة يسود السكون والسلام في القلوب المضطربة، في قلب النور و"الحضور" تتضح رؤية الأمور ويدرك القلب الحبور.
عندما نواجه (الكرسي الخالي) وعندما يخفت وهج الأضواء وصوت التراتيل، ولون البطاقات، لا تزال نفس الدعوة قائمة: إنه عيد الميلاد يدعونا إلى أن نكون سعداء! ولنلبي هذه الدعوة ينصحنا الأب رولهايزر بالزهد والصوم عن شك البالغين و"حذرهم"! ولنقبل قبول الأطفال الى ميلاد السيد الذي هو مدعاة فرحٍ سماوي لا ينكر الواقع الأليم بل يرقى به حيث يشفى كل قلبٍ سقيم. ذاك الطفل العجيب قادر أن يمسك بالصليب والمذود معاً ويمّكن القلب من إكتساب فرح لا يستطيع أحد، ولا مأساة، إنتزاعه.
اليوم، ومهما أثقلت الهموم كاهلنا وحتى إذا غاب أحبابنا... فلنسمع بكاء الله طفلاً في مذود ولنبتهج لدعوته لفرح لا يُغلب!!!