إلى ما فوق الزمن
كل ما نقوم به يلفه رداء الزمن... الثواني تتقدم إلى دقائق إلى ساعات إلى أيامٍ فأسابيع... والسنوات إلى عقود... و"المأزق" بالنسبة لجميعنا هي أن رقاص الساعة غالباً ما يبدو إيقاعه ناشطاً بما يعاكس رغباتنا، ونحن ببساطة لا يمكننا أن نوقف رقصها السريع... لحظاتنا يسحبها الماضي دون عودة!!!
ها الطفولة ركضت لتلاعب الشباب وتلاشت هناك على أبوابه... وبين تحديات دعوة العيش يركض الوقت... أحياناً يلامس الشيخوخة وأمام جلاله تنحني هذه وتطوي صفحة رزنامةٍ أخرى...
ها نحن على أبواب سنة جديدة...
بها ستتكرر الأفراح ولكن أيضاً الأتراح ...
سيكون هناك ولادات على الأرض وأخرى في السماء ...
سيكون هناك نجاحات ولكن أيضاً إخفاقات...
ستتحقق بعض الآلام ولكن أيضاً بعض الآمال...
في هذا المضمار من الحياة "ليس تحت الشمس جديد"، كما يقول سفر الجامعة!!
الوقت.
ما سره ومن سيده؟
يخبرنا من تبحروا بدراسة الكتاب المقدس أن اللغة اليونانية – إحدى لغات الكتاب - تميّز كلمتين حين تتحدث عن " الوقت".
Chronos (كرونوس)
كلمة تُعنى بالتسلسل الزمني للأيام: هو "الزمن" يحكمه إيقاع حركة الأرض أمام الشمس. الله نفسه رسم هذا المقياس في إبداعه حين "غزل" الأنوار السماوية " لتفصل بين النهار والليل وتكون لايات واوقات وايام وسنين"...
رحيل الأحباء والتجاعيد على وجه أمي وإصفرار صور طفولتي... كلها تذكرني بجلالة الزمن الذي لا يستريح!!
Kairos (كايروس)
كلمة أخرى متصلة أيضاً بالوقت ولكن هي معنيّة بتلك اللحظات التي وإن حصلت بالزمن إلا أنها تبقى خالدة، تطبع حياة الإنسان .كايروس هذه هي إبنة الوقت الذي ميّزه الله فحوّله الى ما هو فوق ما يطويه الوقت...
في ولادة الرب المسيح (كايروس) إقتحمت فيه الأبدية الزمن حين بدلت وجهه صرخة طفل ذاك المزود...
في الصليب (كايروس) أخرى... تجسدت فيها المحبة و دخلت المعركة مع الموت لتنتج (كايروس) أخرى = القيامة: نقلت البشرية من العار الى الإنتصار وبالموت هُزم الموت...
وفي كل مرة ندخل الوقت بمعنى (كرونوس) و لكن نلبسه ثوب تلك المحبة المتواضعة المنتصرة وإن متألمة نختبر ال (كايروس) نعمة تفكك حدود الزمان والمكان وتضعنا على تماس مع الرب... الذي يومًا واحدًا عنده كألف سنة وألف سنة كيوم واحد" (2بط8:3).
الزمن. من سيده الذي يسوده ؟
هو الرب سيد كل زمان وأوان!!
فلنبحث إذن أن نعيش أيامنا تحت معانيه التي تضفي معنىً لكل ما يبدو بلا معنىً وهشاً تحت أسنان الزمان... فلنحوّل حياتنا الى لحظات (كايروس)، تلك الأوقات الثمينة التي تتآلف فيها مشيئة الرب مع طرقاتنا...
هلمّ نقدّر الفرح البسيط والعميق في آن لنبدأ بعيش سمائنا على الأرض ...
في نبض الوقت، نعم هناك فرق...
فحين ألتقيت بمن علّمني – من جملة ما علّمني- الفرق بين هاتين الكلمتين وجعلني أدرك كم جميل الارتواء بكلمة الرب واهبة الثمر = (كايروس)
وحين أُخرج محزوناً من سجن كآبته = (كايروس)
وحين أميّز الفرح البسيط الذي تسببه ضحكة طفلٍ أو إبتسامة عجوز تخترق يوماً طويلاً صعباً ومتعباً = (كايروس)
وحين أصلي لله و اترك أسراره تفعل فيّ = (كايروس)
وحين أكتسب معرفة تقودني الى أعماق الله = (كايروس)
وأيضاً حين أترك "هذا" الله يفاجئني بتدبيره و بتوقيته = (كايروس) !!
سنة جديدة...
هي دعوة أن نسير مشوار القداسة. و بمواجهة الزمن لا "نغزل صوفًا في النار" ولا "نصارع مع الهواء" بل هلمّ ندخل هيكل نفوسنا، نطهره من وباء مرارة الفراغ ونملأه من ذاك "العمانوئيل" = الله معنا! وحده هو من يقدر أن يحوّل "كرونولوجية" أيامنا الى مجموعة " كايروس" سيادية تملّك في عمق قلوبنا حقيقة معاني الخلق المنتصر على الفناء وتنتج فينا سلام الخالق العميق وفرحه الذي يبدد كل ضيق!!
هذا هو سر الخلق الجديد الذي نحن مدعوين أن نحتفل به لا فقط في بداية كل عام بل في كل آنٍ وأوان!