مريم عذراء قبل في وبعد الولادة
العقيدة
تعلّم الكنيسة الكاثوليكيّة أن العذراء مريم كانت بتولاً قبل ولادة ابنها، وعند الولادة وبقيت بتولاً طوال حياتها حتى ساعة انتقالها الى السماء بالنفس والجسد. لقد هيأ الرب بتول الناصرة لتكون أمّاً لإبنه، هيكلاُ وعروساً طاهرة للروح القدس، وأمّا للتلاميذ وشفيعة لهم.
طهارة مريم الروحيّة قد تجلّت من خلال عصمة مريم من الخطيئة الأصليّة (راجع الفقرة السابقة)، أمّا طهارة مريم الجسديّة فقد تجلّت من خلال بقائها بتولاً منذ الولادة وحتّى ساعة الإنتقال. إن هذه البتولية التي رافقت حياة مريم ليست نابعة عن احتقار للجسد أو للزواج، بل هي علامة جسديّة تعكس بعداً روحيّاً: مريم اعطيت دعوة فريدة ومميّزة، فصارت بوفائها لهذه الدعوة تقدمة كاملة للرّب. من خلال بتوليتها قدّمت مريم حياتها، وجودها ومستقبلها لله الّذي فيها عجائبه، فوضعت حياتها كلّها في خدمة كلمة الله، كلمة تجسّدت في حشاها وحوّلتها الى مثال للقداسة وللتتلمذ.
بتولية مريم الرّوحيّة هي حقيقة تتعلّق بالمسيح وليس فقط بالعذراء مريم: بتوليّة مريم تعيدنا الى سفر التكوين، وتُظهر أن ما حصل في حياة مريم هو في سبيل تجديد الخليقة التي سقطت في الخطيئة بسبب رفض حوّاء. كما أن آدم قد أخرجه الله من تراب جنّة عدن الطاهرة، كذلك خرج المسيح من أرض طاهرة، من جسد العذراء الّذي لم تدنّسه الخطيئة. وكما أن جنّة عدن قد حماها الله من الخطيئة إذ طرد منها آدم وحوّاء وحرسها بالكروب الحامل رمح النار، كذلك حمى الله بتولية مريم حتى بعد ولادة المسيح ابنها.
كما أن بتولية مريم هي علامة الوهيّة الإبن، فالآب الوحيد للكلمة هو الله الآب، وحبل مريم قد تمّ بحلول الرّوح القدس عليها. لهذا يجب أن نفهم أن بتولية مريم ترتبط بسرّ المسيح إبنها، فهي الضمانة على حقيقة الألوهة في يسوع المتجسّد.
إخوة يسوع:
تستعمل الجماعات التي تنفي بتوليّة العذراء آيات من العهد الجديد تورد فيها لقب "إخوة يسوع"، وبالتالي يقولون أن إن كان ليسوع إخوة، فلا بدّ أن مريم عاشت مع يوسف حياة زوجيّة طبيعيّة بعد ولادة يسوع. والآية الأكثر وضوحاً هي متى 13، 55 " أمَا هوَ اَبنُ النَّجّارِ؟ أُمُّه تُدعى مَريمَ، وإِخوتُهُ يَعقوبَ ويوسفَ وسِمْعانَ ويَهوذا؟ ".
لا بدّ من شرح معنى كلمة أخ في العهد القديم، في التقليد اليهوديّ وفي عند الشعوب المجاورة أيضاً:
- في اللغة العبريّة، كما في الآرامية واللغات الساميّة القديمة، قبل تطوّرها (مثل العربية القديمة والسريانيّة القديمة)، لم يكن هناك وجود لعبارة تعني: قريب، نسيب... فكلمة "أخ" كانت تعني في آن معاً الأخ المولود من الأب والأم نفسهما، الأخ المولود من واحد من الوالدين أو كانت تعني حتى القريب والنسيب، والأشخاص الّذين ينتمون الى القبيلة نفسها والى الشعب الواحد (كما في أع 3، 17. 22، عب 7، 5)، أو أشخاص تربطهم مصلحة مشتركة (مت 5، 47؛ أع 22، 9)، المؤمنين بالمسيح (مت 23، 8؛ أع 1، 15؛ روم 1، 13...)، التلاميذ (مت 28، 10؛ يو 20، 17).
- يورد الإنجيل أسماء النساء ، ومن بين الأسماء يقول "مريم أختها التي هي زوجة كلاوبا"، فهل يُعقَل أن تُدعى أُختان بالإسم نفسه؟ إن أخت هنا، مثل أخ، تعني قريبة.
- في العهد القديم نجد أبراهيم يدعو لوط "أخي"، رغم أن لوط هو ابن أخيه لا أخيه، ويقول له: "ألسنا أنا وأنت إخوة؟" (تك 14، 14) كما أن لابان يدعو إبن أخيه يعقوب "أخي" (تك 29، 10). وفي تك 23، 7؛ 2 صم 1، 26؛ 1مل 9، 13؛ 2 مل 10، 13-14، إر 34، 9 و عاموص 1، 9 فكلمة أخ تعني أفراد العائلة الواحدة حتى لو لم يكونوا إخوة فعلاً.
نستنتج بالتالي أن كلمة "إخوة" في إنجيل متى، والتي يعتمد عليها من ينفي بتولية مريم، لا يمكنها أن تشكّل دليلاً حقيقيّاً لعدم بتولية العذراء الطاهرة.
- في العهد الجديد، نجد أن مريم ويوسف قد ذهبا مع الطفل يسوع الى هيكل أورشليم، فلماذا لا نجد ذكراً لهؤلاء الإخوة المزعومين؟
- عند أقدام الصليب، طلب الرّب من التلميذ أن يهتمّ بمريم، فأخذها التلميذ الى خاصّته، يقول الإنجيل. فهل يُعقل لمن لديها 4 أو 5 أولاد أن تذهب الى بيت رجل غريب عن العائلة؟
فلم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر:
إن عبارة "حتى" اليونانيّة لا تعني بالضرورة تغيير الحالة السابقة وتبديلها بحالة جديدة، وفي موضوعنا هذا فهي لا تعني أن مريم عرفت يوسف بعد ولادتها لإبنها البكر. ففي رسالة مار بولس الأولى الى أهل قورنتس (15، 25) نجد آية من سفر المزامير: قال الرّب لربّي، إجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطئاً لقدميك. فهل أن الرّب قد طرد مسيحه عن يمينه بعد إخضاع الأعداء؟
أمّا عبارة الإبن البكر، فلا تعني بالضرورة أن مريم قد ولدت أولاد آخرين بعد يسوع. إن عبارة بكر تحمل معنى قانونيا ولا تشير الى عدد الأولاد، فالإبن الأول كان يُدعى "البكر" ولو كان ابناً وحيداً، هو فاتح الرحم (خر 13، 2)، وبالتالي فهو ملك الله، يُقدّم لله في الهيكل في اليوم الأربعين من ولادته (خر 34، 20).
إن العديد من الّذين ينكرون بتولية مريم اليوم هم من أبناء الجماعات البروتستانتيّة، ولكن نشير الى أن أرباب الإصلاح البروتستنتي لم يكونوا ينكرون بتوليّة مريم:
مارتين لوثر كان يقول: "أن بتوليّة مريم الدائمة هي موضوع إيمان. فنحن نؤمن أن المسيح وُلد من حشا تُرك مُصاناً بكليّته".
ويوحنّا كالفين قال: "جرّب البعض القول أن متى 1، 25 يعني أن مريم انجبت أولاداً آخرين، وأن يوسف قد عرفها بعد ولادة يسوع، ما هذا الجنون؟ فكاتب الإنجيل لم يكن يتكلّم عمّا حصل بعد ولادة يسوع، إنّما أراد التشديد على طاعة يوسف، وأن يُظهر أن يوسف كان أكيداً أن الله أرسل ملاكه الى مريم، لهذا لم يُساكن مريم بعدها ولا عرفها يوماً. وإن كان ربّنا قد دُعي "البكر"، ليس لأنّ كان له إخوة آخرين، إنّما لأنّ الإنجيليّ كان يتكلّم على حقّ البكوريّة. هكذا يسمّيها العهد القديم حتى لو لم يكن للبكر أخاً أصغر منه".
أمّا زوينغلي فقال: "اؤمن بثبات أن مريم، بحسب الإنجيل، أعطت الولادة لإبن الله من أجلنا وبقيت بتول طاهرة في الولادة وفي ما بعد الولادة بقيت دوماً عذراء طاهرة كاملة".