ميلاد المسيح وسرّ الخلق
نظرة بسيطة كمقدّمة
عادة ً عندما نتكلّم عن الميلاد أو عندما نستعدّ لعيد الميلاد نلجأ إلى إنجيل متى، أو إلى إنجيل لوقا لإنهما الإنجيلين الذين تكلّما عن أحداث ميلاد يسوع وطفولته. أمّا إنجيل مرقس فيبدأ ببشارة يوحنا. وإنجيل يوحنا يبدأ بهذا الفصل اللاهوتي الرائع: في البدء كان الكلمة...". لكن، هذه الجملة الرائعة: والكلمة صارَ جسدًا وحلّ فينا. يجب أن نرى فيها قراءة لمعنى الميلاد وسرّ التجسّد ومعنى الخلق ، وقراءة جديد أيضا لمعنى الإنسان وإكتماله وتطوّره بحسب ما أعطانا إيّاه سرّ التجسد.
جاءَ إلى خاصّته وخاصّته لم تُدركه... (يوحنا 1 : 11). لماذا لم يُدرَك يسوع؟ هل لإنه متعال؟ هل لإنه كان صعب المنال؟؟ لم يُدركوه لإنه كان أسهل مما كان يتصوّرونه. كما يقال "السهل الممتنع". كان يشبه باقي الناس، حياة نجاة، وتعليم في حلقات صغيرة، إنسان عادي يتكلّم كباقي الناس. خصوصًا أنّ كلامه نابع من بساطة الحياة العامّة. والناس الذين كانوا يسمعونه، لم يجدوا فيه لا لاهوت ولا فلسفة ولا أفكار في الغيوم، بل كانوا يرون فيه صورتهم هم في حياتهم الواقعيّة. فقيرٌ مع الفقراء، يعرف معنى الإصغاء، ويعرف أن يحبّ، ويعرف أن يستقبل الصغار والخطأة، ويعطي ثقة.
كيف نحن الآن، بعد ألفي عام وأكثر، نجتمع بإسم يسوع، وهو الذي يجمعنا، نعلنُ أنه هو "ظهور الله في العالم"!. والكلمة صارَ جسدًا. لم يقل صار "روحًا" أو "نفسًا"، أو "نظريّة وأفكار". هذا الإنسان كشفَ الله بطريقة لا تُدرَك. لإن الله لا يُطبّل ولا يُزمّر، ولا يعمل بدعاية وإعلان وترويج، الله تعالى عن كلّ تصنّع، قادر على أن يكون جدّا "بسيط". الله قادر أن يحبّ إلى درجة "الذوبان والإختفاء" في إنسانيّة هذا الإنسان (يسوع الناصريّ).
هذا ما نعنيه عندما نقول إن الله "قادر على كلّ شيء" قادرٌ على أن يكون بسيطًا، لا متوقّع، خارج عن توقّعاتنا وأفكارنا وأوهامنا، وتوقّعات الله تختلف عن توقّعاتنا، لإن عمل الله مستقبليّ لا آنيّ لحظويّ. إلهنا "عمّانوئيل - معنا دائمًا"، وحاضرٌ دائمًا. إذن، ما معنى سرّ الميلاد الذي هو سرّ "التجسّد"، سرّ الخلق الجديد والإكتمال الإنسانيّ وظهور الإنسان الجديد الذي يريده الله، لا العلمُ ولا نظريّات وتيّارات الــ "New age".
يتبع...