المسألة الازائية
ان الاناجيل الثلاثة الاولى تدعى الاناجيل الازائية اذ يُمكن قراءتها الواحد ازاء الآخر. من هنا كانت كلمة ازائية synoptique من اليونانية syn optikos: تحت نظرة واحدة، بعين واحدة وsyn Opsis بنظرة واحدة.
هذه الاناجيل تحتوي على عناصر كثيرة مشتركة، مما يجعلنا نستنتج ان واحد او اثنين قد اعتمد، في المرحلة الثانية من تكوين الاناجيل، على الثالث من استقاء العناصر المكونة.
ان روايات متى، مرقس ولوقا تمتاز بخاصتين تميزهما عن الانجيل الرابع:
1- شكل البناء الادبي المتشابه: تمتاز الاناجيل الثلاثة بتكوّنها من تتابع لوحدات روائية قصيرة (كلمات يسوع، امثال، معجزات وجدال) مترابطة كلها بشكل قوي الواحدة مع الاخرى.
2- تواجد عدد كبير من هذه الوحدات الروائية القصيرة في الاناجيل الثلاثة معاً. بينما نجد ان الانجيل الرابع ينظم الروايات بشكل روايات موسعة متتالية ولا يتشابه مع محتوى القصص الازائية القصيرة.
- التشابك المتعدد للروايات:
نجد في الاناجيل الازائية نوعين من المواد الروائية:
- مواد مشتركة مع انجيل او انجيلين آخرين.
- مواد خاصّة بكل انجيل.
مرقس يتكوّن من 661 آية (نجد 80% منها في متى و65% لو)
متّى يتكوّن من 1068 آية
لوقا يتكوّن من 1149 آية
التقليد الثانئيّ: متى ولوقا يملكان 220 – 235 آية مشتركة غير موجودة في مرقس، هذه الآيات تّعرف باسم التقليد الثنائي. والملفت ان هذا التشابه هو ليس فقط من ناحية المحتوى انما من ناحية المكان الذي ادرجت فيه هذه العناصر المشتركة. وهذا يدفعنا للظن ان اعتماد الواحد على الآخر هو ليس فقط آت من المرحلة الشفهية بل من المرحلة الكتابية.
المواد الخاصة: هي عناصر روائية نجدها في انجيل واحد، هي 26 آية في مرقس، 310 في متى و550 في لوقا.
ان التشابه بين العناصر الروائية، انما خاصة بين تقسيم الاناجيل وتسلسل المقاطع والاستعمال اللغوي والقواعدي للغة اليونانية تؤكد لنا ان الامر لا يتعلق بالصدفة، انما لا بد ان تكون هناك علاقة ما بين الاناجيل الثلاثة من ناحية تكوّنها وكتابتها.
الحلول الممكنة:
1- متّى كانجيل اوّل: هذا الحل يعود الى القديس اغسطينوس، واعتمده العلماء الكاثوليك لغاية منتصف القرن العشرين تقريباً، ولا يزال القليل منهم حتى اليوم يقولون به. بالنسبة لأغسطينوس، كُتب انجيل متى اولاً، ثم لَخَّص مرقسُ انجيلَ متى ومن بعدهما كتب لوقا ويوحنا إنجيليهما. انما كيف نفسر سبب اهمال مرقس لجزء مهم من انجيل متى وما الداعي لإختصار الإنجيل؟
2- نظريّة Griesbach: عرض Griesbach(1789) نظريته القائمة على أساس مبدأ أغوسطينوس مع تعديلات ليحل إشكاليّات هذه النظريّة.
متى
لوقا مرقس
بحسب هذا الحلّ يأتي مرقس في خاتمة الاناجيل الازائية من حيث تاريخ الكتابة، فقال ان مرقس جاء كملخّص لمتى ولوقا، فكتب ما هو مشترك بينهما فقط (اذ ان مرقس لا يورد التقليد المزدوج) انما المسألة هنا: ان كان لوقا يعتمد على متى كيف يمكننا شرح الاختلاف في المحتوى؟ كيف نشرح الاختلاف بين الاثنين في اناجيل الطفولة؟ فبالنسبة لمتى كان مكان سكن يوسف ومريم بيت لحم (2، 11 البيت) بينما هي الناصرة بالنسبة للوقا (لو 2، 4 – 7). بالنسبة لمتى كان هرب يسوع الى مصر (متى 2، 14) أمّا بالنسبة للوقا فقد كان الى اورشليم والناصرة (لو 2، 22 – 39).
3- نظرية الاجزاء Diegesis: مع Schleiermarcher (1768 – 1834) ظهرت النظرية القائلة ان الاناجيل وضعت كتابة بعد عملية جمع مجموعة من الروايات المستقلة الواحدة عن الاخرى. فمباشرة بعد موت يسوع، نظمت مجموعات صغيرة مكتوبة (diegesis لوقا 1، 1) فاختار كل انجيلي ما يلزمه منها لنشر انجيله.
متى مرقس لوقا
همية هذه النظرية انها تلقي الضوء على حقيقة الاجزاء الروائية، انما المسألة: كيف يمكن شرح التشابه في التصميم بين الاناجيل؟
4- نظرية التقليد الشفهي: لا يوجد نص مكتوب اعتمد عليه الانجيليون، انما هناك تقليد شفهي يعود الى الرسل والجماعات الرسولية. التشابه يعود الى التقليد المشترك الذي ثبّته الرسل بينما الاختلاف يعود سببه الى خيار الرسل واستراتيجيته في ما يراه ضرورياً ومناسباً لاعلان الانجيل.
- اهمية هذه النظرية:
• اعطاء التقليد الشفهي مكانته واهميته.
• القاء الضوء على الدافع اللاهوتي الذي يجعل الانجيليّ يضع التقليد في خدمة البشارة بحسب واقعه التاريخي.
انما المسألة هي في شرح القدرة الهائلة عند الكتّاب في حفظ تسلسل الاحداث خاصة في ما يتعلق بالأمثال والمواعظ؟
والمسألة الثانية هي: أيحق لنا ان نشرح الاختلاف فقط على ضوء ارادة الكاتب الانجيلي وهدفه؟
5- نظرية التعلق: تطرح هذه النظرية امكانيّة ان تكون الاناجيل متعلقة الواحد بالآخر بطريقة منطقية، انما ترفض امكانية وجود مصادر اخرى سوى تلك الموجودة في واحد من الاناجيل الثلاثة.
6- نظريّة Lachman: يعتمد على Griesbach انما يغير في الاقدمية: مرقس هو الاقدم.
7- نظريّة Farmet وهي نظرية الانجيليّين: متى هو الاول لوقا يليه ويعتمد عليه، بينما مرقس هو الاخير وقد كتب في روما وهدفه ازالة الفوارق بين متى ولوقا، وازالة العناصر اليهودية (تأثير بولس على مرقس).
8- نظريّة المصدرين:لشرح الاختلاف بين لوقا ومتى؟
بحسب هذه النظرية:
1- مرقس هو الاقدم.
2- مصدر آخر اخذ منه الإزائيّون دُعي المصدر Q من كلمة Quelle الإلمانيّة وتعني المصدر مجهول هو مصدر التقليد الثنائي (متى ولوقا).
3- متى ولوقا استعملا مصادر خاصة بكل منهما.
ما الّذي يؤكد هذه النظرية:
1- التصميم: تصميم متى ولوقا يُظهر اعتماداً على تصميم مرقس في العناصر المشتركة بين الثلاثة ويختلفان عن بعضهما في العناصر الخاصة بكل منهما (اناجيل الطفولة يختلفان ثم يتشابهان حين يصلان الى بشارة المعمدان، اخبار الفصح تتشابه قبل اكتشاف القبر الفارغ ثم تعود فتختلف بعد اكتشاف القيامة).
2- تتالي الروايات: متى ولوقا يغيّران احياناً تصميم مرقس، انما لا يعتمدان التصميم نفسه حين يتعملا المصادر الخاصّة، بينما يتشابهان حين يعتمدان التصميم المرقسي.
مثلاً:
متى
9، 1 – 17
9، 18 – 11، 30
12، 1 – 14
لوقا يترك تصميم مرقس ثم يعود اليه
مرقس
2، 1 – 22
(متى يترك تصميم مرقس ثم يعود اليه).
2، 33 – 3، 6
لوقا
5، 17 – 39
6، 1 – 19
6، 20 – 49
مرقس يبقى في التصميم نقطة الارتكاز.
3- العناصر المكونة للمحتوى: القسم الاكبر من مرقس موجود في متى (523 آية في اصل 661 من انجيل مرقس) انما نجد فقط 364 آية من مرقس في لوقا:
- لوقا فضل استعمال مرقس في ما يختص بالبشارة في الناصرة (لو 4، 16 – 30/ مر 6، 1 6) بينما اعتمد على مصدر خاص في ما يختص بالباقي.
4- التعليق على النص: ان متى ولوقا لا يختصران مرقس حين يستعملانه انما يعطون تعليقات عليه
مرقس 8، 29 انت المسيح
متى 16، 16 انت المسيح، ابن الله الحي
لو 9، 20 انت مسيح الله
او ايضا تحويرات ليس للشرح انما لهدف خاص بكلّ إنجيليّ، مثل اعلان قائد المئة في مرقس 15، 39 (هذا الرجل كان حقا ابن الله) بينما يحاول متى من خلال ازالة كلمة "الرجل" ان يركّز على البعد اللاهوتيّ: هذا كان ابن الله حقاً (متى 27، 54) ولوقا يحاول ان يظهر البعد التاريخي: هذا الرجل كان صدّيقاً (23، 43).
5- المصدر المشترك بين متّى ولوقا: متّى ولوقا يحتويان على عناصر مشتركة آتية من مصدر واحد غير موجودة في مرقس، هذه العناصر تتألّف اجمالا من:
- كلمات يسوع
- بعض النصوص الروائية: التجارب – شفاء ابن قائد المئة.
هذا المصدر هو مفقود اليوم، تعرف عنه فقط بسبب العناصر الّتي أورداها متّى ولوقا، وقد استعملها كلّ واحد منهما بحرية وتناغماً مع هدفه ولاهوته. نجد أن لوقا قد استعمل هذا المصدر بشكل موسع اكثر.من متّى.
ما يؤكد استعمال هذا المصدر هو وجود اخبار مزدوجة في متى ولوقا، يوردانها مرتين: الاولى بحسب مرقس والثانية مشتركة بحسب المصدر الآخر المُشترك:
مثل: - مرقس 4، 25 (من له...) متى 13، 12
لوقا 8، 18
Q – متى 25، 29/ لو 19، 26
مرقس 8، 35➦ متى 16، 25/ لو 9، 24
Q ➦ متى 10، 39/ لو 17، 33
6- متى ولوقا كانا يملكان مصدراً خاصاً لكل منهما: هذه العناصر الخاصة بشكلها الحالي لا يمكن أن تكون دليلاً على كونها مصدر مكتوب. قد يكون المصدر مجموعة تقاليد متناقلة في الجماعة الخاصة بكلّ من الانجيليين، وعلى الارجح تقليد شفهي.