طبيعة العهد الجديد
لماذا إستعمال كلمة عهد؟
كلمة عهد هي ترجمة لكلمة Bérit العبرانية و Diathéké اليونانية، وتجد جذورهما في العهد القديم.
العهد هو تعبير عن العلاقة الشخصية المميّزة والمباشرة التي دخل فيها الله عبر التاريخ مع شعبه:
- العهد الأول كان الخلق ثم الوعد بالخلاص الذي أعطي هو لآدم وحواء بأن من نسلهما يأتي من يدوس رأس الحيّة، والعهد الذي دخل فيه الله مع نوح ووعده بالخلاص، ومع إبراهيم ووعده بالأرض وبالنسل، ومع داود عبر النبي ناتان. وبلغ هذا العهد تمامه حين دخل الله في علاقة مع شعب إسرائيل بواسطة موسى حين أعطاه الوصايا العشر على جبل سيناء (خر 19، 5؛ 34، 10. 27)
لماذا عبارة "جديد"؟
هذه العبارة ليست ابتكاراً مسيحياً يهدف الى تحقير العهد القديم ويعلن انتهاءه كما يعتقد البعض، إنما هي عبارة وردت للمرة الاولى حوالي بستة قرون قبل مجيء يسوع المسيح على لسان أرميا النبي (أر 31،31-34)
ها إِنَّها تَأتي أَيَّام، يقولُ الرَّبّ، أَقطعُ فيها مع بَيتِ إِسْرائيلَ وبَيتِ يَهوذا عَهداً جَديداً، 32 لا كالعَهدِ الَّذي قَطَعتُه مع آبائِهم، يَومَ أَخَذتُ بِأَيديهِم لِأُخرِجَهم مِن أَرضِ مِصْرَ لِأَنَّهم نَقَضوا عَهْدي مع أَنِّي كُنتُ سَيِّدَهم، يَقولُ الرَّبّ. 33 ولكِنَّ هذا العَهدَ الَّذي أَقطَعُه مع بَيتِ إِسْرائيلَ بَعدَ تِلكَ الأَيَّام، يَقولُ الرَّبّ، هو أَنِّي أَجعَلُ شَريعَتي في بَواطِنِهم وأَكتُبُها على قُلوبِهم، وأَكونُ لَهم إِلهاً وهم يَكونونَ لي شَعباً. 34 ولا يُعَلِّمُ بَعدُ كُلُّ واحِدٍ قَرببَه وكُلُّ واحِدٍ أَخاه قائِلاً: "اِعرِفِ الرَّبّ"، لِأَنَّ جَميعَهم سيَعرِفوَنني مِن صَغيرِهم إِلى كبيرِهم، يَقولُ الرَّبّ، لِأَنِّي سأَغفِرُ إِثمَهم ولن أَذكُرَ خَطيئَتَهم مِن بَعدُ.سوف أضع ناموسي في اعمالهم واكتبها في قلوبهم، عندما أكن لهم ألهاً وحكم يكونون لي شعباً».
هذا العهد "الجديد" الذي بشرّ به أرميا يحتوي على نفس مقوّمات العهد في الأزمنة الماضية:
- الله يدخل في علاقة حبّ مع الانسان
- الله يعد الانسان بأن يكون "شعبه" أي خاصته.
- الانسان يجيب على دعوة الحب هذه بتعهده الوفاء لله عندها يكون العهد قائماً.
العهد الأول كان الخلق: الله بحبّه دعا الانسان الى الوجود وسلّطه على كلّ شيء واعطاه شجرة الحياة، الشرط كان وفاء الانسان لله من خلال عدم سعيه الى شجرة معرفة الخير والشرّ، أي بكلام آخر الى عدم رغبته في ان يكون هو "كالله " يعرف الخير والشر جاعلاً نفسه الهاً لذاته وتاركاً الخالق على هامش حياته. هذا العهد سقط بسبب خيانة الانسان.
عهد آخر ، أو العهد ذاته جدّده الله مع شعبه من خلال نوح الذي نال الخلاص نتيجة لوفاءه للعهد مع الله، لذلك أنقذه الله دون الشعب الذي كان قد خان عهده مع الله.
عهد الله مع إبراهيم: - دعاه لاتباعه الى أرض جديدة
- وعده بالأرض وبالنسل
- ابراهيم خان العهد إذ حاول إقامة نسل له بقوته الشخصية
- الله بقي وفياً لعهده لابراهيم وأعطاه اسحق
- اسحق صار أباً لشعب الله.
إنما العهد أخذه الشّعب شكلياً ورسمياً مع موسى، مكتوباً بيد الله حين خطّت الوصايا "باصبع الله" على لوحين من حجر على جبل سيناء ، وقال الشعب : كل ما يقوله الله إيّاه نصنع .
إنما عاد الشعب وخطىء إذ نسي عهده مع الله. وحين هاجمت الجيوش الغريبة مملكتي الشمال والجنوب، وكادت تسقط أوراشليم تحت وطأة الشعوب، أطلق أرميا وعده بالعهد الجديد، ليس كالعهد المكتوب على حجر ميت إنما مكتوب في اعماق كيان الانسان وبوصايا مخطوطة في قلوب المؤمنين.
هذا العهد الجديد الذي بشّر به أرميا وتمّ بيسوع المسيح لا يعني إلغاء العهد الأول الذي اقامه الرب مع شعبه، فالله لا يتراجع عن مواعيده ، إنما هو تجديد للعهد الذي شاء الله لإقامته مع الانسان، منذ اللحظة الأولى التي خلقه فيها على صورته ومثاله.