عظات
٥‏/١٠‏/٢٠١٦ زمن الصوم | الأب بيار نجم ر.م.م

أحد شفاء المخلّع

في هذا الأحد الخامس من الصوم الكبير نتأمّل في شفاء جديد، ليس كسائر آيات الشفاء التي قام بها يسوع.  إن أناجيل الشفاءات تسلّط الضوء لا على عدد العجائب إنّما على مميّزاتها: فشفاء الأبرص كان شفاء اجتماعياً وإعادة قبول المهمّش في داخل الجماعة، وشفاء المنزوفة كان شفاء الإيمان اللاّمس، كان شفاء قبول الذات، وعودة الإبن الشاطر كانت شفاء الرّوح عبر التوبة، وفي هذا الأحد نجد ميزة جديدة، هي الكنيسة التي تحمل المتألّم نحو الرّب لينال الشفاء، والكسيح ينال الخلاص بسبب إيمان من يحمله الى المخلّص.

(مر 2 /1-12)

عَادَ يَسُوعُ إِلى كَفَرْنَاحُوم. وسَمِعَ النَّاسُ أَنَّهُ في البَيْت. فتَجَمَّعَ عَدَدٌ كَبيرٌ مِنْهُم حَتَّى غَصَّ بِهِمِ الـمَكَان، ولَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ لأَحَدٍ ولا عِنْدَ البَاب. وكانَ يُخَاطِبُهُم بِكَلِمَةِ الله. فأَتَوْهُ بِمُخَلَّعٍ يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةُ رِجَال. وبِسَبَبِ الـجَمْعِ لَمْ يَسْتَطِيعُوا الوُصُولَ بِهِ إِلى يَسُوع، فكَشَفُوا السَّقْفَ فَوْقَ يَسُوع، ونَبَشُوه، ودَلَّوا الفِرَاشَ الَّذي كانَ الـمُخَلَّعُ مَطْرُوحًا عَلَيْه. ورَأَى يَسُوعُ إِيْمَانَهُم، فقَالَ لِلْمُخَلَّع: "يَا ابْني، مَغْفُورَةٌ لَكَ خطَايَاك!". وكانَ بَعْضُ الكَتَبَةِ جَالِسِينَ هُنَاكَ يُفَكِّرُونَ في قُلُوبِهِم: "لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هـذَا الرَّجُلُ هـكَذَا؟ إِنَّهُ يُجَدِّف! مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ الـخَطَايَا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟". وفي الـحَالِ عَرَفَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُم يُفَكِّرُونَ هـكَذَا في أَنْفُسِهِم فَقَالَ لَهُم: "لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهـذَا في قُلُوبِكُم ؟ ما هُوَ الأَسْهَل؟ أَنْ يُقَالَ لِلْمُخَلَّع: مَغْفُورَةٌ لَكَ خطَايَاك؟ أَمْ أَنْ يُقَال: قُمْ وَاحْمِلْ فِرَاشَكَ وَامْشِ؟ ولِكَي تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا أَنْ يَغْفِرَ الـخَطَايَا عَلَى الأَرْض"، قالَ لِلْمُخَلَّع: "لَكَ أَقُول: قُم، إِحْمِلْ فِرَاشَكَ، واذْهَبْ إِلى بَيْتِكَ!". فقَامَ في الـحَالِ وحَمَلَ فِرَاشَهُ، وخَرَجَ أَمامَ الـجَمِيع، حَتَّى دَهِشُوا كُلُّهُم ومَجَّدُوا اللهَ قَائِلين: "مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هـذَا البَتَّة!".

 موقع النّص من الإنجيل:

يقع هذا النّص من ما يُسمّى قسم الجدالات الجليليّة (2، 1- 3، 6)، وهو قسم يتمحور حول يسوع المبشّر بالملكوت وعلماء الناموس المتربّصين له دوماً.  أهميّة هذا الجزء هو في أنّه جزء تحضيريّ للقسم الأخير من الإنجيل: موت يسوع.  فعناصر الإتّهام الّتي نجدها هنا، مثل تهمة التجديف (آ 7) وجزاؤها الموت، سوف تعود لتظهر في محاكمة يسوع.

 

يفتتح مرقس رواية شفاء الكسيح بعبارة: وبعد أيّام قليلة رجع يسوع الى كفرناحوم وعرف النّاس أنّه في البيت.  إشارة زمانيّة وإشارتان مكانيّتان، إشارات أدرج بواسطتها مرقس رواية الشفاء هذه في إطار الإنجيل بشكله النهائي.  تعيدنا عبارة "بعد أيّام قليلة" الى الحدث الّذي يتّم قبل الأعجوبة، أي حدث شفاء الأبرص (1، 40-45) الّذي تمّ في مكان ما من الجليل (1، 39) والّذي انتهى بخروج يسوع الى مكان قفر هرباً من الجموع.

 

نجد أن يسوع قد عاد الى كفرناحوم، وهو ما يعيدنا الى 1، 21، حين دخل يسوع كفرناحوم وعلّم في مجمعها وشفى رجلاً فيه روح نجس. وبقي يسوع في كفرناحوم حتى 1، 35 حين خرج الى مكان قفر للصلاة قبل انطلاقه في جولته الجليليّة.

 

أمّا الإشارة الى البيت، مع "ال" التعريف، فتشير الى بيت معروف.  الإشارة الوحيدة لبيت ما في هذا القسم الأوّل هو بيت سمعان حيث شفى يسوع حماة بطرس (1، 29).  إنّما بعد هذا الإنتقال الجغرافيّ من كفرناحوم الى الجليل ثم العودة الى البيت، كان من المنطقيّ أكثر أن يعيد مرقس التذكير أن البيت هو بيت حماة سمعان بطرس.  إنّما اغفال التحديد هو مقصود على الأرجح لهدف لاهوتيّ، لقد دمج مرقس بين البيت التاريخيّ، أي بيت حماة بطرس، وبين البيت كما كان يفهمه مؤمنو الكنيسة الأولى: الجماعة الكنسيّة.

 

النوع الأدبيّ:

 

يجمع هذا النّص في داخله ثلاثة أنواع أدبيّة تتعلّق بالعهد الجديد:

 

-       آية شفاء

 

-       فعل مغفرة لخاطئ يتوب

 

-       جدال مع اليهود حول هويّة يسوع

 

في نصوص النوع المتعلّق بآيات الشفاء نجد تصميماً ادبيّاً للنّص يتكوّن من:

 

-       الإطار الزماني والمكانيّ وشرح حالة المريض: 2، 4

 

-       الطلب من يسوع، أو استدعاء يسوع للمريض (عمل الرجال الأربعة).

 

-       الشفاء (قم واحمل فراشك).

 

-       إظهار حقيقة الشفاء (فقام في الحال وحمل سريره)

 

-       نتيجة الشفاء: الدهشة والإيمان (فتعجّبوا كلهّم ومجّدوا الله).

 

إنّما نجد أيضاً عناصر لرواية توبة ولو أنّها هنا ليست متكاملة العناصر، فالتائب لا يطلب ولا يفتح فاه، فالمبادرة هي ليسوع وحده كإجابة على "إيمان هؤلاء".

 

بينما النوع الثالث فنجده أكثر تكاملاً من ناحية العناصر:

 

-       الإطار الروائي: زمان، مكان ومناسبة.

 

-       تعليم يسوع للجموع المحتشدة.

 

-       عناصر جديدة أو مثيرة لاستياء الفرّيسييّن ومعلّمي الشريعة.

 

-       إعتراض من قبلهم.

 

-       جواب يسوع

 

-       إظهار صحّة جوابه من خلال معجزة أو جواب لا يمكنهم دحضه.

 

-       رحيل معلّمي الشريعة وهم يضمرون شرّاً.

 

هذه هي العناصر الإعتياديّة لنوع الجدل الأدبيّ، نجد عناصرة متكاملة هنا لأنّ الهدف الأساسيّ لنصّ المعجزة هو إظهار البعهد المسيحانيّ، أمّا عناصر النوعين الآخرين فجُعلا في خدمة هذا الهدف.

 

تحليل النّص:

 

فتجَمَّعَ مِنهُم عددٌ كبـيرٌ ملأَ المكانَ حتّى عِندَ البابِ، فوَعظَهُم بكلمة اللهِ

 

إن عبارة "كلمة" في العهد الجديد هي تعبير يظهر بعداً كنسيّاً، فالكنيسة الأولى كانت تستعمل هذه العبارة للدلالة على رسالة المسيح.  إعلان يسوع لكلمة الله في "البيت"، (وللبيت دلالة كنسيّة أيضاً حين كانت الكنيسة تجتمع في البيت لتأمّل الكلمة ولكسر الخبز) هو عمل ذات دلالة لاهوتيّة عميقة في الإنجيل، إعلان يلي الأعمال والمعجزات التي اجترحها في 1، 21-45 وتحضّر لشفاء الكسيح، الّذي من خلاله يظهر صدق تعليمه ومصدره الإلهيّ.  بهذا المعنى يصبح لهذا الشفاء الجديد دلالة إعتلانيّة، هو يسوع الّذي يظهر صحّة تعليمه ومصدره الإلهيّ.  إعلان يسوع يرتبط أيضاً بالكلمة التي نشرها الأبرص "في كلّ مكان" (1، 45)، وسوف يكون للكلمة المكان المحوريّ في أمثال يسوع، لا سيّما في مثل الزارع (4، 1-20) الّذي يدور حول فكرة قبول الكلمة ورفضها من قبل السامعين.

 

وجاءَ إليهِ أربعةُ رِجالٍ يَحمِلونَ كسيحًا فلمَّا عَجِزوا عَن الوُصولِ بِه إليهِ لِكثرَةِ الزِّحامِ، نقَبُوا السَّقفَ وكشَفوا فوقَ المكانِ الّذي كانَ فيهِ يَسوعُ ودلُّوا الكسيحَ وهوَ على فراشِهِ

 

الكسيح هي عبارة تشير الى أنواع عدّة من الإعاقات التي تطال قدرة الإنسان على الحركة، قد تكون العرج، أو الإعاقة النصفية أو الإعاقة الرباعيّة الكاملة.  هذا النّص لا يوضح بطريقة مباشرة ماهيّة إعاقة هذا الرّجل، إنّما نستشفّ حالته من المعطيات الأدبيّة.  هو بالضرورة غير قادر على السير، وبالتالي فإن مرضه يتخطّى حالة العرج وعدم القدرة على السير باستقامة، فهو يحتاج الى من يحمله وينقله من مكان الى آخر.  لا يمكننا أن نجزم إن كان مرضه إعاقة كاملة أو نصفيّة، فهو لا يفعل شيئاً قبل الشفاء، ولا ينبس ببنت شفة في النصّ كلّه.  هذا الصمت لا يشير بالضرورة الى إعاقته الكاملة وعدم قدرته على النطق، فصمته وإعطاءه دوراً ثانويّاً قد يكون مقصوداً من الكاتب عينه لغاية لاهوتيّة بحتة:  شفاء هذا المريض كان نتيجة إيمان الجماعة التي تحمله، لا بسبب إيمانه هو فقط.

 

تجدر الإشارة الى أن المجتمع القديم لم يكن يوفّر لمريضٍ من هذا النوع ما يقدّمه له المجتمع المعاصر من تأمينات صحيّة وخدمات (أقلّه المجتمع المتحضّر الّذي يحترم قيمة الإنسان)، بل كان عرضة للموت جوعاً أو بسبب المرض إن كان وحيداً دون عائلة تهتمّ به.

 

عجز الرجال الأربعة عن الوصول الى يسوع بسبب الجمع، وهذا العجز عن الوصول هو لسبب أدبيّ أوّلاً، يدخل في تصميم رواية المعجزة لإعطاء الحدث التاريخيّ قالباً أدبيّاً شيّقاً من جهة، إنّما هو أيضاً ذو غاية لاهوتيّة تعليميّة: في هذا القسم الأوّل من الإنجيل، نجد دوماً "الجموع" قالباً واحداً ينتقل، يسير، يزحم يسوع، هي مجموعة من الأفراد التقوا يسوع وبدأوا مرحلة الإنتقال من حالة الجموع الّذين يقفون خارجاً، الى حالة التلاميذ الّذين هم حول يسوع.  هذا الأمر نجد له توضيحاً في تفسير مثل الزارع في الفصل الرّابع: الّذين هم واقفون خارجاً يُعطوا أمثالاً، وحدهم من هم "حول يسوع" يقدرون أن يفهموا حقيقة الأمثال.

 

لقد كان من الأسهل على حاملي الكسيح رفعه الى السقف من أن يصلوا الى باب البيت، هو أمر غريب بالنسبة إلينا اليوم، إنّما يجب أن نفكّر بالبيت الفلسطينيّ القديم، ذات السقف المنخفض والمصنوع من الطين، وبالتالي يمكن ثقبه بجهد يسير.  إنّما يمكن أن يكون تواجد يسوع في الباحة التقليديّة للبيت الفلسطينيّ القديم، الّتي كانت تستعمل كقاعة جلوس خارجيّة، بين أعمدة خشبيّة تحمل دعائم وتُغطى بالأعشاب والأغصان.  إنّما بسبب استعمال فعل exorusso اليونانيّ، ويعني حفر وليس فقط ثقب، نرجّح أن يكون الرجال قد ثققبوا سقف البيت الترابيّ.  لم تكن غاية مرقس إيضاح ماذا ثقبوا إنّما سلّط الضوء على الدافع (الإيمان) والنيّة (تقديم المريض للمعلّم) والنتيجة (الشفاء).

 

لقد قدّم الرجال المريض وهو على سريره أمام يسوع، إستطاعوا إيصاله الى يسوع، إنّما أوصلوه مع صليبه، فالإنسان غير قادر على تحرير الآخر من مشاكله وآلامه وصلبانه، بل هو مدعوّ الى حمله، الى مساعدته ليصل الى الخلاص، والخلاص يكون فقط بعطيّة من الله، وإن كان من خلال الجماعة.

 

 فلمَّا رأى يَسوعُ إيمانَهُم قالَ للكسيحِ: "يا اَبني، مَغفورَةٌ لكَ خَطاياكَ"

 

لقد حمل هؤلاء الأشخاص الكسيح لينال الشفاء من يسوع، فإذا بيسوع يجيب على إيمانهم بمغفرة خطايا الكسيح.  لم يعطه الشفاء الجسدّي مباشرة، ولا نعلم عن أية خطايا يتكلّم يسوع، فنحن لسنا نعرف شيئاً عن الرّجل سوى أنّه كان كسيحاً.

 

لقد أجاب يسوع بطريقة غير مباشرة على منطق المجتمع بأسره، كبّتهم وأنّبهم على طريقة تفكيرهم بغفرانه للكسيح.  فالمنطق اليهوديّ القديم كان يعتبر أن المريض هو في حالته هذا بسبب خطايا اقترفها، أو اقترفها أهله او واحد من سلالته، وأن المرض هو عقاب الله له.  بطريقة أخرى، كان المنطق هذا يتّهم الله، يعتبره مصدر ألم ومرض وموت، هو أله يضرب ويعاقب لا إله العهد الّذي دعا الشعب كلّه الى الخلاص.

 

إن ربط المرض بالخطيئة لا يجد له أصلاً في الكتاب المقدّس وإن كان تفكيراً شائعاً عند اليهود الأقدمين، وحتى عند معلّمي الشريعة.  هذه النظرة يدحضها يسوع في يو 9، 1-3 "وبَينَما هوَ في الطَّريقِ، رأى أعمى مُنذُ مَولِدِهِ.  فسألَهُ تلاميذُهُ: "يا مُعَلِّمُ، مَنْ أخطأَ؟ أهذا الرَّجُلُ أم والداهُ، حتى وُلِدَ أعمى؟"  فأجابَ يَسوعُ: "لا هذا الرَّجُلُ أخطَأَ ولا والداهُ. ولكنَّهُ وُلِدَ أعمى حتّى تَظهَرَ قُدرةُ اللهِ وهيَ تَعمَلُ فيهِ".  لا بدّ أن هذه النظرة اليهوديّة تجد جذورها في سفر التكوين، وبالتحديد في خطيئة آدم وحوّاء، فبما أنّ الخطيئة ولدت الموت والألم، فلا بد أن الألم مصدره خطيئة الإنسان، وبالتالي صار اليهود يربطون الأمراض الجسديّة كلّها بالخطيئة، وصار المريض حكماً إنساناً خاطئاً.

 

يبدو أن مرقس يصرّ على ربط المعجزة بإيمان الرجال الأربعة، وذلك من خلال تهميش دور المريض، فهو لا يأخذ المبادرة، لا يطلب، لا يتكلّم ولا يشكر حتىّ، بل يحمل سريره ويمشي، بينما الأهميّة كلّها تعطى لإيمان الأشخاص الّذين حملو المريض الى يسوع، هو البعد الكنسيّ يبغي مرقس إظهاره، دور الجماعة هو حمل الأكثر ضعفاً وفقراً ومرضاً أمام يسوع الشافي والغافر.

 

وكانَ بَينَ الحُضورِ بعضُ مُعَلِّمي الشَّريعةِ، فقالوا في أنفُسِهِم: "كيفَ يتكَلَّمُ هذا الرَّجُلُ كلامًا كهذا؟ فهوَ يُجدِّفُ! مَنْ يَقدِرُ أن يَغفِرَ الخطايا إلاَّ اللهُ وَحدَهُ؟"

 

يستعمل مرقس عبارة en tais kardiais autwn "في قلوبهم" وهي عبارة تهدف الى إرسال القاريء الى العهد القديم:

 

1صم 16، 7 فقالَ الرَّب لِصَموئيل: "لا تُراعِ مَنظَرَه وطولَ قامَتِه، فإِنِّي قد نَبَذتُه، لأَنَّ الرَّبَّ لا يَنظُرُ كما يَنظُرُ الإِنْسان، فإنَّ الإنْسانَ إِنَّما يَنظُرُ إِلى الظَّواهِر، وأَمَّا الرَّبُّ فإِنَّه يَنظُرُ إِلى القَلْب ". و 1مل 8، 39 "فآسمع أنت مِنَ السَّماءِ، مكان سُكْناكَ، وآغفِرْ وآعمَلْ وأجْزِ كُلَّ واحِدٍ بِحَسَبِ طرقِه، لأَنكَ تَعرِفُ قَلبَه ولأَنكَ أنت وَحدَكَ تَعرِفُ قُلوبَ جَميعِ بَني البَشَر"، وفي مز 7، 10 "لِيَكُفَّ شرُ الأَشْرار أَمَّا أَنتَ فثَبِّتِ الأَبْرار. إِنَّكَ فاحِص القُلوبِ والكُلى أيّها الإِلهُ البارّ"، في إر 11، 20 "فيا رَبَّ القُوَّاتِ الحاكِمَ بِالبِرّ الفاحِصَ الكُلى والقُلوب سأَرى آنتِقامَكَ مِنهم لِأَنِّي إلَيكَ بُحتُ بِقَضِيَّتي" و سير 42، 18-20 "إِنَّه سَبَرَ الغَمرَ والقَلْب ونَفَذَ إِلى مَقاصِدِها لأَنَّ العَليَّ يَعلَمُ كُلَّ عِلْم ونَظره على عَلاماتِ الأَزمِنَة.  يُخبِرُ بِالماضي والمُستَقبَل وَيكشِفُ عن آثارِ الخَفايا.  لا يَفوتُه فِكر ولا يَخْفى علَيه كَلام".

 

يفصّل مرقس ردّة فعل علماء الشريعة على كلمات المسيح على ثلاث مراحل:

 

-       دهشتهم: ما بالُ هذا الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بِذلك ؟

 

-       حكمهم على كلماته: إنّه يجدّف

 

-       سبب حكمهم: فمَن يَقدِرُ أَن يَغفِرَ الخَطايا إِلاَّ اللهُ وَحدَه

 

بين الدهشة والتفسير أعطى علماء الشريعة حكماً يستوجب الموت، فسفر اللاّويين يقول: "وكَلِّم بَني إسْرائيلَ قائلاً: أَيُّ رَجُلٍ لَعَنَ إِلهَه يَحمِلُ خَطيئَته.  ومَن جَدَّفَ على آسمِ الرَّبّ، فلْيُقتَلْ قَتْلاً: تَرجُمُه كُلُّ الجَماعةِ رَجْماً، نَزيلاً كانَ أَوِ آبنَ البَلَد. إِذا جَدَّفَ على الاِسمِ يُقتَل" (لا 24، 15- 16).  حكم العلماء هذا هو إعلان مسبق لما سوف يعلنه رئيس المحفل ساعة الحكم على يسوع (14، 64).

 

إنّما تصرّف علماء الشريعة، على سلبيّته، قد جَعله مرقس في خدمة إعلان بنوّة يسوع الإلهيّة وإن بطريقة غير مباشرة: فالله وحده يقدر أن يغفر الخطايا، ويسوع غفر خطيئة هذا الرجل وأعطاهم دليلاّ حسيّاً وظاهراً على هذا الشفاء الداخليّ من خلال الشفاء الخارجيّ، فأُعلنت ألوهة يسوع المسيح بواسطة أعداءه الّذين سوف يعملون على أيصاله الى الموت صلباً.

 

فَعَلِمَ يسوعُ عِندَئِذٍ في سِرِّهِ أَنَّهم يقولونَ ذلك في أَنفُسِهم، فسأَلَهم: "لماذا تقولونَ هذا في قُلوبِكم  فأَيُّما أَيسَر؟ أَن يُقالَ لِلمُقعَد: غُفِرَت لكَ خَطاياك، أَم أَن يُقال: قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ وَآمشِ ؟  فلِكَي تَعلَموا أَنَّ ابنَ الإِنسانِ له سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا في الأَرض"، ثُمَّ قالَ لِلمُقعَد: أَقولُ لكَ: قُمْ فَاحمِلْ فِراشَكَ وَاذهَبْ إِلى بيتِكَ".

 

معرفة يسوع لما يفكّرون به في قلوبهم تظهر حقيقة بنوّة يسوع الإلهيّة، وهي بالتالي ذات بعد مسيحانيّ، لقد بدأت الرموز تتوضّح رغم أن السرّ حول هويّة يسوع كمسيح الله لا يعتلن قبل موت يسوع على الصليب.  إن هذه المعرفة لأفكار القلوب، والتي تقول آيات العهد القديم التي ذكرناها سابقاً أنّها من ميزات الرّب الإله، الى جانب المعجزات والشفاءات التي تمّت وسوف تتمّ، هي إشارات اعتلانيّة غير مباشرة لهويّة يسوع الإلهيّة.

 

ميزة أخرى محوريّة في هذا النّص هي مغفرة الخطايا، فالله وحده يقدر أن يغفر خطيئة الإنسان، والمسيح جاء يتممّ هذه الحقيقة.  إزاء رفض المعلّمين لهذه الإشارة، أعطاهم يسوع تأكيداً، هو تأكيد الأسهل بواسطة الأصعب وتأكيد غير المُبَرهَن بواسطة المُبَرهَن عنه.  من السهل أن يقال لمرء أن خطيئته قد غُفرت، أنّما هذه المغفرة لا يمكن أن نلمسها ونؤكّدها، بل هي موضوع إيمان وثقة بالله الغافر، أمّا المغفرة فمرئية ومحسوسة ولا يُمكن أن تُنكَر.  إن الشفاء كان مجرّد دليل، ليس هو الأهم ولا العمل المحوريّ في هذا النّص.  شفاء الإنسان من خطيئته هو الهدف الأعمق، أمّا الشفاء الجسديّ فتمّ من أجل إيمان الجماعة الحاضرة، كاعلان لقدرة المسيح فوق الخطيئة وفوق أثار الخطيئة كلّها: الموت والمرض والألم.

 

إن يسوع يبدأ جملته ولا يكملها، وهو أمر مُستغرب من الناحيّة اللّغويّة إنّما هو عمل أدبيّ مرقسيّ يبغي من خلاله إيصال حقيقة مهمّة.  يقول يسوع: " فلِكَي تَعلَموا أَنَّ ابنَ الإِنسانِ له سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا في الأَرض" ولا يُكمل شفهيّاً، إنّما تتميم معنى مع يقوله يتمّ عملياً من خلاله توجّهه للكسيح بقوله: " قُمْ فَاحمِلْ فِراشَكَ وَاذهَبْ إِلى بيتِكَ".

 

نجد في اعتراض علماء الشريعة على كلمات المسيح تمييز بين "الإنسان" و"الله": " كيفَ يتكَلَّمُ هذا الرَّجُلُ كلامًا كهذا؟ فهوَ يُجدِّفُ! مَنْ يَقدِرُ أن يَغفِرَ الخطايا إلاَّ اللهُ وَحدَهُ؟" فأعطى يسوع جواباً واضحاً يرتبط بالإنتظار المسيحانيّ: " سأُريكُم أنَّ اَبنَ الإنسانِ لَه سُلطانِ على الأرضِ ليَغفِرَ الخَطايا"

 

إن "السلطان" (exousia) هي عبارة تتعلّق بالله، ويسوع ينسب السلطان الى شخصه هو، إنّما هذا السلطان هو على الأرض، فهل انقسم سلطان الله، فصار السماويّ خاضعاً لله والأرضي ليسوع؟ إن معنى هذه العبارة هو أن لا معنى لما يفكّر به العلماء في قلوبهم، فالمسيح هو على الأرض مُرسلاً من الله الآب، ويعمل كلّ شيء باسمه ولمجده، ومعفرة الخطايا والشفاء الجسديّ الّذي رافقها هنا ما هو الاّ تتميم لإرادة الله الخالق وإعادة الخليقة الى جمالها الأوّل.  إن ابن الإنسان يصبح بهذا المعنى إيقونة الله الآب، صورته والعامل باسمه والمُتمّم الخلاص بمشيئة الله الآب.

 

استعمل مرقس هذه العبارات بطريقة تذكّر القاريء بالعهد القديم، لا سيّما بنبوءة دانيال: ففي دان 7، 13- 14 نجد العبارتين نفسهما معاً: إبن الله والقدرة المعطاة له، فيقول دانيال: ورَأيتُ في مَنامي ذلِكَ اللَّيلَ، فإذا بِمِثلِ اَبْنِ إنسانٍ آتيًا على سَحابِ السَّماءِ، فأسرَعَ إلى الشَّيخ الطَّاعِنِ في السِّنِ. فقُرِّبَ إلى أمامِهِ 14وأُعطِيَ سُلطانًا ومَجدًا ومُلْكًا حتى تعبُدَهُ الشُّعوبُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ ولِسانٍ ويكونَ سُلطانُهُ سُلطانًا أبديُا لا يَزولُ، ومُلْكُهُ لا يتَعَدَّاهُ الزَّمنُ.  هو إعلان آخر غير مباشر أن بيسوع المسيح قد ابتدأ الخلاص، وهذا الخلاص هو ثمرة المُلك الأبديّ الّذي سوف يكون ليسوع المسيح، إبن الإنسان.

 

إذا أمعنّا جيداً في قراءة النّص، نجد أن الإتّهام الموجّه الى يسوع غير دقيق، فكلمة يسوع كانت: "لقد غُفِرَت خطاياك"، وهذا الإستعمال بصيغة المجهول يُدعى في أدب الكتاب المقدّس "المجهول الإلهيّ"، أي أن المتكلّم يستعمل صيغة المجهول لئلاّ يكرّر لفظ اسم الله، ولفظه كان ممنوعاً عند اليهود، ولا يزال ممنوعاً حتّى اليوم عند اليهود المحافظين.  لقد قال يسوع عمليّاً "لقد غفر الله لك خطاياك" ليعلن أنّه يعمل في العالم باسم الله مصدر الخلاص.

 

إنّما إزاء رفض المعلّمين لهذه الحقيقة، انتقل يسوع الى إعلان "سلطانه في هذا العالم"، فكانت أعجوبة الشفاء علامة لسلطانه على هذا الكون، هو اعتلان مسبق للمسيح ملك الكون وفاديه، مُلكٌ سوف يتحقّق بملئه فوق الصليب.

 

 التأمّل:

"قامَ الرَّجُلُ وحمَلَ فِراشَهُ في الحالِ وخرَجَ بِمَشْهدٍ مِنَ الحاضِرينَ. فتَعجَّبوا كُلُّهُم ومَجَّدوا اللهَ وقالوا: "ما رأينا مِثلَ هذا في حَياتِنا!""

 

غريب أمر هذا الكسيح، لم يفعل شيئاً، لم يطلب شفاءه، لم يُعلن إيمانه، لم يشكر الرّب على عطيّته، جلّ ما فعله هو تنفيذ أمر يسوع له، أن يحمل سريره ويذهب الى بيته.  فالمقصود لم يكن إيمان الكسيح فحسب، بل الجماعة الحاضرة يومها، إنّما خاصّة الجماعة المؤمنة التي تقرأ النصّ وتتأمّل به.  نقطة انطلاق النّص كانت جماعيّة، كنسيّة، ابتدأت في "البيت"، إشارة واضحة الى الكنيسة الأولى، وانتهت بإرسال الرّجل الى بيته، أي أن الإيمان والشّفاء الّذين نالهما هذا الكسيح لا يمكن أن يدفنا في بيت بطرس، أو ينتهيا لحظة مغادرة الجماعة، بل هي رسالة يحملها المؤمن المشفيّ، الّذي غفر له الله خطاياه، بأن ينقل ما ناله الى خاصّته، أن يكون رسول الشفاء والمغفرة.

 

والنّص قد ابتدأ أيضاً بالجماعة التي حملت الكسيح الى يسوع، إنّما انتهى بطريقة معاكسة تماماً: لقد حمل الكسيج الإيمان الى الجماعة "فدُهشوا وتعجّبوا ومجّدوا الله".  لقد كان الكسيح بطلاً صامتاً، لم يتكلّم سوى بحمله إرادة الرّب: شفاه الرّب فشكره بوقوفه أمام الجماعة حاملاً هو السرير بعد أن حمله السرير سنيناً طوال.  كما النازفة والأبرص، يقف أيضاً الكسيح أمام الجماعة ويعلن ما تمّ في حياته، فالشفاء لا يمكن أن يكون فرديّاً، ولا المغفرة أيضاً، بل هما نعمة ننالها لنغيّر من خلالها حياة الآخرين، ودون هذا العمل يكون ما فعله المسيح في حياتنا عقيماً.

 

مغفرة الله هي مصدر كلّ شفاء:  إن جسد الرجل الكسيح، غير القادر على الحركة، على أخذ المبادرة، على التحكّم بقراراته أو بمكان وجوده، هو الرجل الّذي انغلق وجوده بأسره على سرير لا يغادره، وعلى صدقة يطلبها، متعلّق كليّاً بحسنة الآخرين يرفعونه وينقلونه، كلّ هذا هو صورة ملموسة عن عمل الخطيئة في حياتنا: فالخطيئة التي غفرها يسوع لها النتيجة ذاتها، تتحكّم بنا، تمنعنا من الوصول الى الجمال الحق، والخير والأسمى والسعادة الأعمق.  الخطيئة تجعلنا كسحاء غير قادرين على النموّ بالروح، بل تجعلنا مأسورين دوماً بحالتنا البعيدة عن الله، تعمي ضميرنا فلا نأخذ مبادرة العودة الى الله، نرتبط بواقع الخطيئة ولا نعود نقوى على الخروج منه.  مثل هذا الكسيح، تغرقنا الخطيئة في ظلمة تحيط بنا، تنقطع كلّ علاقة وكلّ حوار مع الله، نلغيه من وجوداً رفضاً أو خجلاً أو يأساً.  هي سواعد الأصدقاء حملت الكسيح نحو يسوع، وهي صلاة الكنيسة تحملنا نحو سماع كلمة المغفران الإلهيّة.  الكسيح المتألّم سمع يسوع يناديه "يا بنيّ"، وبمغفرة الله نسمع الكلمة ذاتها نحن أيضاً.  الله الّذي رفضناه وأغلقنا باب قلوبنا أمامه، هو نفسه ينادينا "يا بنيّ"، فالله لا ينسى محبّته ولا يتراجع في خلاصه، هو المنتظر دوماً.

 

كما حمل الأصدقاءُ الأربعةُ الكسيح نحو السيّد، تحملنا الكنيسة نحن أيضاً نحو الشفاء.  هذه السواعد التي ترفعنا هي صلوات القديّسين، إخوتنا الّذين سبقونا الى دار الآب ولا يزالون مصليّن لنا.  هي القدّيسة الأعظو بين القديّسين، مريم أمّ يسوع، تضرع عنّا وتحملنا.

 

هؤلاء الأصدقاء هم أسرار الكنيسة، أدوات الخلاص الملموسة، بواسطتها يوصل الرّب نعمته لكلّ واحد منّا.  هي المعموديّة التي تدخلنا في حياة المسيح وتجعلنا أبناء لله، هة سرّ التثبيت الّذي يسمنا بالروح القدس ويجعلنا جنود للمسيح نعلن إنجيل بقوة الإيمان وثبات الرجاء وقدرة المحبّة، هي الإفخارستيّا التي توحّدنا بيسوع المسيح وبعضنا ببعض وتقودنا الى القداسة، نتحوّل الى صورة من نتناوله.  هو سرّ التوبة يرفعنا عن سرير إعاقتنا الرّوحيّة ويهبنا أن نسمع كلمة المغفرة التي تحتاجها جراح نفسنا لتشفى، نسمعها من فم المسيح بواسطة رسوله.  هو الكهنوت الّذي يقدّس عالمنا ووجودنا ويرفع تفاهة يوميّاتنا الى عظمة الألوهة.  هو سرّ الزّواج الّذي من خلاله يقود الزوج زوجته والزوجة زوجها نحو المسيح، يتساعدان لتخطّي قساوة الخطيئة ويسيرا على دروب القداسة ليحملا من ثمّ المجتمع بأسره أمام المسيح ليسمع المغفرة ويتحوّل تدريجيّاً.  سرّ المشحة هو أيضاً صديق يحملنا الى الشفاء والى نيل المغفرة، هو علامة مشاركة الكنيسة كلّها ألم المريض والصلاة من أجله والعمل على شفائه.

 

صديقة لنا هي الصلاة أيضاً، صلاتنا اليوميّة التي تعبّر عن محبّتنا ليسوع، وعلى اهتمامنا لوجوده في حياتنا، هي إعلان دائم أنّنا بحاجة اليه، وأن صداقته ومحبّته أساسيّان بالنسبة لنا، فوجودنا يكون تافهاً وفارغاً إن غاب يسوع عن حياتنا.

 

عائلتنا، أصدقاؤنا، رفاق عملنا، هم كلّهم أصدقاء يمكنهم أن يحملوني الى المسيح إن سمحت لهم بذلك، إن كان لديّ ما يكفي من التواضع لأسمح لهم بمساعدتي، بحمل سريري والسير نحو يسوع، ليضعوني أمامه فأنال الشفاء.

 

الإيمان هو التزام وصراع روحيّ:  لو عاد الأصدقاء أدراجهم أمام العائق الأوّل لما نال صديقهم الشفاء.  لم يخشوا الجمع بل تحدّوه، تسلّقوا البيت وثقبوا السقف ودلّوا السرير أمام يسوع.  هذا هو حالنا في حياتنا اليوميّة، عقبات تعترضنا، أسئلة لا نجد لها جواباً، تعترض على قسوة الحياة تضرب بريئاً فثور على الله ويتزعزع إيماننا، نمرض أو نفقد عزيزاً فنلقي بالّلائمة على الله، نمرّ بحالات ضيق أو خطر فيُغضبنا عدم تلبية الرّب لرغباتنا وحاجاتنا.  هي كلّها عقبات أمام إيماننا كما كانت الجموع عقبة أمام الأصدقاء المؤمنين.  هي عقبات نحن مدعوّون لتخطّيها، عالمين أن الله حاضر، وهو ينتظر، ويغفر ويشفي.

 

عقبة أخرى أمام إيماننا هي جموع أيّامنا المعاصرة، كما كانت الجموع مشكلة أمام الأصدقاء والمريض.  جموع اليوم يقفون حاجزاً بين عالمنا وبين المسيح، عالم اليوم يمنع الإنسان من الوصول الى المسيح، بعقليّة المادّية واللّذة والإستهلاك، بمنطق التفتيش عن الأسهل.  ما يهم هو الوصول الى الهدف بقطع النظر عن طريقة الوصول وأخلاقيّتها. المؤمن هو الّذي يثبت حتى النهاية، لا يتوقّف أمام منطق يعاكس منطق المسيح، بل يسعى الى تحطيم الحواجز وتسلّق المرتفعات وثقب كلّ حاجز يمنعنا من أن نلقي بذاتنا المريضة أمام المسيح وننال الشفاء.  لقد حمل الأصدقاء الأربعة صديقَهم المريض فنال الشفاء، وحملوا الجموع كلّها فمجّدوا الله، إن مثابرتهم وجهادهم أوصل رسالة المسيح الى الجمع فمجّد الله، وهكذا إيماننا اليوم، نحمل عالمنا المريض ونضعه أمام المسيح، نحمل شكّ إخوتنا وقلّة إيماننهم، ونجعلهم يمجّدون الله حين يرون فرح الشفاء الّذي نلناه من يد السيّد.

 

ابن الإنسان له السلطان أن يغفر الخطايا على الأرض اليوم، ومن خلال الكاهن: إيماننا هو أن المسيح بعظيم رحمته اختار الرسل ليكملوا عمله على الأرض، واختار الكهنة ليكونوا باسمه خدّام الجماعة، يوصلون كلمة الرّب الى الإخوة، رسالة المغفرة الى الخطأة، شفاء القلب والجسد الى المتألّمين.  إن المسيح لا يزال يعلن اليوم عن القدرة التي له على الأرض، فهل نحن فريسّيون جدد؟ هل نقول "من هو هذا ليغفر الخطايا"؟، وكم من مرّة نقولها بكبريائنا وقلّة إيماننا.  إن الرّب قد أعطانا سرّ التوبة للشفاء الداخلّي، فلا نغلق أبواب قلوبنا أمامه، بل لنفتح له المجال ليعمل فينا، من خلال الكاهن العامل باسمه وبشخصه، وهكذا نكون مثل هذا الكسيح، نقف أمام الجماعة، معلنين بتوبتنا، وبشهادتنا للمسيح في صمت حياتنا اليوميّة، عظمة عطيّة الله، فيمجّدَ العالمُ اللهَ من خلالنا ويعلن "ما رأينا مثل هذا في حياتنا".