مقالات
٧‏/١‏/٢٠١٥ تعليم الكنيسة | روبير شعيب

كيف وَلَد الآبُ الابنَ دون أم؟

كيف وَلَد الآبُ الأزلي الابنَ دون أم؟

هذه هي إحدى الأسئلة التافهة التي يتوجه بها البعض إلى المسيحيين ظانين أنهم بهذا يحرجون إيمانهم. نصيحتي الأولى لمن يطرح كذا أسئلة: إذا كنت تظن حقًا أن المسيحيين سفيهين وأغبياء لهذه الدرجة، من الأفضل لك ألا تجادلهم لأن من يؤمن بعقيدة سخيفة بهذا المستوى، هو وثني رجعي لا يستحق حتى أن تجادله.

ولكن إذا شئت أن تسمع وتفهم ما يقصد المسيحيون ببنوة المسيح الإلهية فتابع قراءة هذا الـ “جواب عالطاير”.

المسيحيون لا يؤمنون بأن الآب السماوي أرمل بائس، أو أنه ولد الابن من خلال زرع في الأنبوب. أول ما يجب أن تعرفه – إذا كنت تؤمن بتسامي الله! – أن البشر، إذا ما شاؤوا الحديث عن الله، يتوجب عليهم استعمال اللغة المجازية للإشارة إلى حقائق تسمو العقل وتسمو اللغة، لأننا كمسيحيين نؤمن أن الله أكبر: الله أكبر من عقلنا، الله أكبر من لغتنا (كل اللغات من العربية إلى الإنكليزية، إلى العبرية إلى اللاتينية، إلخ)، الله أكبر من مخيلتنا… ولذا نستعمل الكلمات للإشارة لا للتحديد، لأن الله لامحدود ولامتناهٍ.

بعد هذه المقدمة حول استعمال الكلمات في الحديث عن الله، نذهب إلى مفهوم بنوة الابن للآب السماوي. وننطلق من الإنجيل، وبالتحديد من إنجيل يوحنا القائل: “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان لدى الله والكلمة كان الله”. يؤمن المسيحيون بأن الله ليس فراغًا بل هو الحكمة السميا. و “الكلمة” كما استشهدنا بها من مطلع إنجيل يوحنا هي Logos  باليونانية.

هذا وإن “لوغوس” لا تعني “كلمة” وحسب، بل أيضًا “عقل”، “فكر”، “روح”، “معنى”، “حكمة”، “علم” إلخ… ماذا تقول لنا هذه الآية إذًا؟ تقول أن الله لم يضح حكيمًا في الزمان، بل هو حكيم منذ البدء، والله لم يكن أبكمًا ثم تكلم، بل كلمته ملازمة له من البدء. وكلمة الله ليست مثل كلام البشر يقولونها في الزمان وتطير مع ذبذبات الهواء وتضمحل، كلمة الله أزلية، أبدية، جوهرية، لأنها من جوهر الله.

وعليه فالتثليث هو تعبير عن سمو الله، عن حكمته الأبدية. الله منذ الأزل وإلى الأبد متحد بحكمته الأزلية. وكما أن هناك تمايز واتحاد بين الإنسان وفكره في الوقت عينه، كذلك في كيان الله – كما كشفه لنا يسوع المسيح – هناك تمايز واتحاد بين الآب والابن.

بالعودة إلى سؤالك – وقد أجبنا عليه إلى حد ما في المقطع السابق – يسرني أن أقول لك أن الآباء الأولين كانوا يواجهون أعداء الإيمان منذ فجر الإيمان شارحين – لمن يريد أن يفهم – أن ولادة الابن ليست هي ولادة بالمعنى الحرفي، وهي بكل تأكيد ليست ولادة جسدية. ويقدمون أمثلة توضح وجهة الإيمان.

على سبيل المثال، يقدم القديس يوستينوس، وهو من مدافعي المسيحية الأولين تشبيهًا يبين لنا أن ولادة الابن ليست ولادة جسدية، كما لو كان في الله مخاض وحبل، إلخ. فالفيلسوف المرتد إلى المسيحية بعد أن اختبر العديد من التيارات الفلسفية والدينية، يدحض تفاهة من يتهم المسيحيين بأنهم ينسبون إلى الله خصائص وصفات تتعلق بالمرأة الحامل. يستعمل يوستينوس تشبيه العقل الذي يولد الفكر، ويقول أنه بشكل مماثل يمكننا أن نفكر بالآب الذي منذ الأزل يحمل اللوغوس (الكلمة، الفكر، الحكمة، إلخ) في ذاته. اللوغوس هو كلمة الله الموجودة في حضن الله، في فكر الله، وحرمان الله من حكمته يعني جعل الله جاهلاً! حاشا!

فيسوع هو كلمة الله، وكلمة الله ليست زمنية بل هي أبدية من أبديته. كلمة الله ليست كلمة مائتة أو زائلة، بل هي أبدية هي حية لدى الله وفي الله.

بالعودة إلى تشبيه يوستينوس، يتوضح لنا أن “ولادة” الابن هي تعبير مجازي، وليست ولادة جسدية مع آلام المخاض وبحضور الدايات، ولسنا نتحدث بالمعنى الحصري عن أم وأب وجد وجدة، بل نستخدم تعبيرًا للتبيان عن الله الذي يسمو الكلام والتصور له المجد إلى الأبد.