مقالات
٢٣‏/١٢‏/٢٠١٦ Fiat Lux | أنطوانيت نمّور

بيت لحم الجديدة... أين نجدها؟

بعد مرور 1223 عام على ميلاد السيد في بيت لحم، ولدت فكرة تجسيد المذود والمغارة.

فبحسب وثيقة لتوماس من تشيلانو، والتي تُعتبر واحدة من أقدم الوثائق الموثوقة التي تتناول أحداث حياة القديس فرنسيس الأسيزي، نُفاد أن فرنسيس ومدفوعاً بروحانيةٍ أطلق عليها تسمية "الواقعية المسيحية"، أي تلك النظرة التي تعطي الاحترام اللازم للجسد ولا تعتبره شرّاً مطلقاً، أراد فرنسيس: "أن يتذكّر الطفل الذي ولد في بيت لحم ... وأن يعيش بشكل حسّي المعاناة التي قاساها المولود الجديد يسوع، في ظروف ينقصها كل ما هو ضروري؛ بما فيها وضعه في مذودٍ حقير ممدَّداً على التبن بين حمار وثور".  

وهكذا قام فرنسيس، الذي كان برتبة شماس إنجيلي، بقراءة الإنجيل المقدس على مجموعة من المؤمنين توافدوا حاملين المشاعل إلى مغارة كان القديس قد طلب إستعارتها مع ثورٍ وحمار من رجلٍ من قرية غريتشو الإيطالية... وهناك وقف القديس في ليلة الميلاد، يتحدث بحب كبير وكلمات رقيقة عن ذاك المولود الإلهي الذي تجسد طفلاً فقيراً في بيت لحم... لم يكن في "مغارة" فرنسيس سوى الثور والحمار والمعلف. أمّا مريم ويوسف فلم يكونوا هناك... يقول الأب فراس  لطفي الفرنسيسكاني، أنّ القديس قصد أن يترك لكل حاضر مكاناً فارغاً ليملأه بحضوره. قداس غريتشو تلك الليلة كان له مذوداً "إفخارستياً" بامتياز، وصل صداه الكبير إلى أوسع نطاق، ف "أصبحت غريتشو وكأنها بيت لحم الجديدة".

وهكذا بسرعة كبيرة انتشرت عادة "تجسيد" المذود في كل مكان! 

1228: العام الذي أعلنت فيه قداسة فرنسيس، تم بناء كابيلا محفورة في قلب المغارة المذكورة، مع قبو نصف دائري. وتستعرض هذه الكابيلا مشهدين رئيسيين: مشهد بيت لحم الميلادي  ومشهد غريتشو الميلادي. فنرى يسوع في أحضان مريم أمّه في مقابل مشهد فرنسيس وهو يبدو في ثياب الشماس يؤدي السجود للطفل الإلهيّ فيما أعلى اليمين يظهر كاهن يترأس القداس.

 

مرّ ما يقارب ثمان مئة عام على أحداث غريتشو. كثرت أشكال وأنواع وطرق "تجسيد" المغارة ومذود بيت لحم وكثرٌ منّا يتباهون بمن مغارته هي الأجمل أو الأفخم...

فعلّنا لا ننسى أّنّ القديس فرنسيس في مغارة غريتشو "الحيّة" أراد أن نتلمّس معاني العيد... أراد أن يحوّل المؤمن واقعه في "الآن" و "هنا " إلى مكان يستقبل فيه بشارة الرجاء الصالح كمريم ويوسف والرعاة وينزع عنه عادات الموت كالمجوس ليتّشح بعادات ربّ الحياة!

في كلاسيكيات التأمّل بالإستعداد للميلاد ترد التوصيات أدناه، فعلّها تستوقفنا ونحن نمر بالمغائر التي بنيناها تحت أضواء الميلاد في البيوت و الكنائس والطرقات:

’- أنّ طفل "الجفصين" بارد كقلوبنا إن لم ينبض فيها الحب.

 

- يوسف ومريم "جامدين" كنفوسنا إن لم يحرّكها الحنان والتضامن مع الآخرين.

 

- الرّعاة وقطعانهم "متفرّقين" على مثالنا إن لم نعي أهميّة وحدتنا في المسيح ومعه.

 

 - المجوس "تائهين" كمعظمنا حين نفقد بوصلة الإيمان ونور المسيح المشرق في الكتاب المقدّس وفي القربان.

 

 - الثور مشغول بالتبن والحمار مفتون بالشعير كما نكون نحن حين يصبح كل همّنا شهواتنا متناسين أنّ طعامنا الحقيقي هو أن نعمل بمشيئة من أرسلنا، على مثال يسوع

 ....’

الميلاد ينادينا لنفتح للّه قلوبنا ليولد فيها... فتكون بيت لحم الجديدة لا فقط في الخامس والعشرين من كانون الأوّل من كلّ عام بل في كلّ آنٍ وأوان...

 

صور