عظات
١٦‏/١٠‏/٢٠١٦ زمن الدنح | الأب بيار نجم ر.م.م

الأحد الأوّل بعد الدنح

يرى يوحنا الانجيلي أيضاً في دور يوحنا المعمدان صورة النبي الذي جاء يربط العهدين: القديم والجديد ويعلن استمرارية عمل الله الخلاصي الذي تم بتجسيد يسوع المسيح. انما بالنسبة للانجيلي الرابع، يوحنا المعمدان ليس السابق، إنما الشاهد.

 

(يوحنا 1 /29-34)

في الغَدِ رأَى يُوحَنَّا يَسُوعَ مُقْبِلاً إِلَيْهِ فَقَال: "هَـا هُوَ حَمَلُ اللهِ الَّذي يَرْفَعُ خَطِيئَةَ العَالَم. هـذَا هُوَ الَّذي قُلْتُ فِيه: يَأْتِي ورَائِي رَجُلٌ قَدْ صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلي. وأَنَا مَا كُنْتُ أَعْرِفُهُ، لـكِنِّي جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالـمَاء ِ لِكَي يَظْهَرَ هُوَ لإِسْرَائِيل". وشَهِدَ يُوحَنَّا قَائِلاً: "رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً كَحَمَامَةٍ مِـنَ السَّمَاء، ثُمَّ اسْتَقَرَّ عَلَيْه. وأَنَا مَا كُنْتُ أَعْرِفُهُ، لـكِنَّ الَّذي أَرْسَلَنِي أُعَمِّدُ بِالـمَاءِ هُوَ قَالَ لي: مَنْ تَرَى الرُّوحَ يَنْزِلُ ويَسْتَقِرُّ عَلَيْه، هُوَ الَّذي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ القُدُس. وأَنَـا رَأَيْتُ وشَهِدْتُ أَنَّ هـذَا هُوَ ابْنُ الله".

 "فأقرّ، وما أنكر، قال": هذا التشديد على عبارات الاعلان هي رسالة إلى الجماعة الكنسية التي كان يوحنا على رأسها، التشديد على ضرورة اعلان حقيقة يسوع المسيحانية والالهية، ولو كان الثمن الخروج من المجمع اليهودي. فكل مرة يستعمل يوحنا عبارة "شهد" كان الأمر يتعلق بخطر الاقصاء من المجمع اليهودي (2، 22؛ 12، 42 ...). هي اذاً دعوة لكل تلميذ لعدم المساومة على اعلان حقيقة يسوع كالمسيح الآتي وكابن الله.

- يوحنا المعمدان ينفي عنه كل صفة مسيحانية، ما هو الا الشاهد الذي يعد طريق الرب من خلال دعوة الشعب للتوبة. هو ليس أهل حتى لأن يحل سير نعل المسيح، وهو عمل كان يقوم به الأدنى بين عبيد سيد روماني.

 

 - حمل الله، رافع خطيئة العالم: يتميّز يوحنا عن سائر الاناجيل باستعمال صورة الحمل الرمزية. قد يكون مصدر هذا الرمز سفر اشعيا الذي يتكلم عن الحمل الذي يُساق الى الذبح (53، 7) وبهذا الشكل يعلق يوحنا ان يسوع هو عبد يهوه المتألم، او قد يكون صورة الحمل المرتبطة بسفر رؤيا يوحنا: الحمل المذبوح والمنتصب والقادر على الانتصار على الخطيئة (رؤ 5،6؛ 14، 10؛ 17، 14) او قد يكون حمل الفصح الذي اشار يوحنا اليه في رواية الصلب حين قال: "وكان يوم تهيئة الفصح نحو الساعة السادسة" (19، 14) اي الساعة التي يُذبح فيها حمل الفصح، او "لن يُكسر له عظم (19، 36) اشارة الى الحمل الفصحي (خر 12، 46؛ عدد 9، 12).

 

 ورائي: بعض الشرّاح يرون في هذه العبارة ان المسيح قد انتسب الى جماعة يوحنا المعمدان وكان تلميذا له. انما ليس هناك اي دليل علمي قاطع على هذا الامر. وقد يكون مرجحا ان عبارة بعدي هي ذات بُعد زمني "من هو مولود بعدي"، او ايضاً هي اشارة الى ان يوحنا قد بدأ رسالته قبل يسوع، فظن البعض انه اعظم منه، فكان قوله هذا اشارة الى ان كل عمل يوحنا التبشيري كان يهدف الى اعلان عظمة يسوع "ابن الله".

 

 يوحنا يعلن حقيقة يسوع الالهية، في بعض المخطوطات يريد "مختار الله" وبهذا يرتبط يسوع مجددا بصورة عبد يهوه المتألم، انما في اكثرية المخطوطات ترد عبارة "ابن الله" وهي تبقى موافقة اكثر لمحتوى الانجيل الرابع اللاهوتي. في كلا الحالتين يعلن يوحنا الانجيلي على لسان يوحنا المعمّد الشاهد ان ما سوف يقوم به يسوع سببه المصدر الالهي لرسالته، وانه قد جاء كيما بموته كحمل للّه يعطي الخلاص للجماعة من الموت والخطيئة.

 

من خلال شخص المعمّد، يدعو يوحنا الانجيلي كل معمّد لأن يشهد للمسيح المخلص، رافع خطيئة العالم المرسل من الله لتحقيق ارادته وابن الله المعطي الخلاص.