عظات
٢٨‏/٦‏/٢٠١٧ زمن العنصرة | الأب بيار نجم ر.م.م

الأحد الرابع عشر من زمن عنصرة

في داخل كلّ واحد منّا مرتا ومريم تتصارعان، تتكاملان، تفعلان كل ما بوسعهما ليفرح يسوع. في داخل كل واحد منّا إنسان يسعى للتفتيش عن يسوع، يجلس عند قدميه، يستمع اليه، يصغي إلى تعاليمه. وفي كلّ واحد منّا مرتا الساعية إلى العمل، لا تكتفي بالايمان، وبالإصغاء، بل تظنّ أنّها قادرة على جعل يسوع يفرح بعملها، بجهدها وتعبها.

(لوقا 10: 38 - 42)

فيمَا كَانُوا سَائِرين، دَخَلَ يَسُوعُ إِحْدَى القُرَى، فاسْتَقْبَلَتْهُ في بَيتِهَا امْرَأَةٌ اسْمُها مَرْتا. وَكانَ لِمَرْتَا أُخْتٌ تُدْعَى مَرْيَم. فَجَلَسَتْ عِنْدَ قَدَمَي الرَّبِّ تَسْمَعُ كَلامَهُ. أَمَّا مَرْتَا فَكانَتْ مُنْهَمِكَةً بِكَثْرَةِ الـخِدْمَة، فَجَاءَتْ وَقَالَتْ: "يَا رَبّ، أَمَا تُبَالي بِأَنَّ أُخْتِي تَرَكَتْنِي أَخْدُمُ وَحْدِي؟ فَقُلْ لَهَا أَنْ تُسَاعِدَنِي!". فَأَجَابَ الرَّبُّ وَقَالَ لَهَا: "مَرْتا، مَرْتا، إِنَّكِ تَهْتَمِّينَ بِأُمُورٍ كَثِيرَة، وَتَضْطَرِبِين! إِنَّمَا الـمَطْلُوبُ وَاحِد! فَمَرْيَمُ اخْتَارَتِ النَّصِيبَ الأَفْضَل، وَلَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا".

مرتا هي صورة التلميذ الراغب في خدمة سيّده، هي صورتنا اليوم ونحن في عالم قَلِق، يملأه الألم والفقر، نسمع إخوتنا في العالم يتألمون، يصرخ جوعهم فيملأ ضميرنا ألماً، نقف حائرين لا نعلم من أين نبدأ والعمل كثير.

مرتا هي صورتنا أيضاً حين نقضي حياتنا نركض وراء عملنا، نحاول أن نؤمّن ما هو الأفضل لعائلتنا ولأولادنا: أفضل طعام، أفضل ملبس، أجود المدارس. نخدمهم من كلّ القلب ونضع في سبيلهم كلّ جهدنا، فمن خلال خدمتهم نخدم الله. ومثل مرتا، ننسى ما هو جوهريّ في حياتنا وحياة أولادنا: ننسى أنّ أسمى ما يجب أن نفتّش عنه هي حياة الروح. ننسى أنّنا كائنات دعاها الله إلى ما يتخطّى مجرّد العقل والجسد: نحن كائنات روحيّة، ولا يمكننا أن نهمل هذا البعد الأساسيّ من وجودنا.

مرتا هي صورتنا نحن الّذين نقول أن لا وقت عندي للصلاة، فعملي هو صلاتي، وخدمتي هي صلاة، وتعبي هو صلاتي. مثل مرتا نظنّ أنّ عمل الخير الّذي نفعله يصدر عن قوانا، وأنّنا سوف نخلص بأعمالنا الحسنة، فلا ضرورة لإضاعة وقت ثمين بالصلاة والتأمّل والإستماع إلى صوت الرّب من خلال التأمّل في كلمة الكتاب المقدّس.

أمّا مريم فهي صورة للإنسان الساعي إلى جوهر الحياة، يعلم أن واجبنا الأوّل هو خدمة السيّد من خلال خدمة إخوتنا، إنّما كيف نخدم أخوتنا إن كنّا لا نعرف المسيح بعد؟ كيف أحمل المسيح للآخرين إن لم أتعرّف إليه أوّلاً؟ مريم علمت الجوهريّ، علمت أنّ لا شيء ينفعها إن هي عملت في سبيل إنجيل لم تعشه، لم تتأمّل به. فأية بشارة علّها تحمل لإخوتها المحتاجين إن كانت هي نفسها غريبة عن الإنجيل؟ أيّ رجاء يمكنها أن تعطي العالم إن لم تكن قد تأمّلت وأصغت إلى يسوع أوّلاً؟

نعم في كلّ واحد منّا مرتا، ودعوة الرّب لنا هي أن نكون على مثال مريم المتأمّلة في كلام يسوع، الباحثة عن صداقته، عن التتلمذ له. فلن يمكننا أن نقدّم للعالم سوى اليأس والحزن إن إوصلنا اليهم ذاتنا فقط، ودعوة الرّب لنا هي أن نحمل الرب إلى الآخرين لا أن نحمل لهم ذواتنا ويأسنا وخوفنا. نحن لسنا مصدر خلاص الآخرين، ما نحن سوى وسيل خلاص المسيح، تمرّ بنا نعمته ليفيض الرجاء والخلاص والفرح: فكيف نعمل باسمه إن كنّا نجهله؟

فلنكن مثل مريم لا لنهرب من حماس مرتا ورغبتها في خدمة إخوة يسوع الصغار، بل ليصبح الخير الّذي نصنعه هو انعكاس لرحمة المسيح تجاه بشريّتنا. لنتعرّف إلى المسيح عبرالصلاة ،عبد التأمّل، عبر الكنيسة وأسرارها، فنخدم إخوتنا بصورة أكثر فعاليّة، ونوصل اليهم مع اعمالنا تعاليم المسيح ووصاياه.