عظات
١٩‏/٤‏/٢٠١٧ زمن العنصرة | الأب بيار نجم ر.م.م

الأحد السابع من زمن العنصرة

نجد تشابهاً كبيراً بين نصّ الإنجيل هذا وبين إنجيل الأحد الماضيّ، إنّما هذا التشابه بين متّى ولوقا لا يجب أن يحيد نظرنا عن خصائص كلّ إنجيليّ وعن الرسالة اللاهوتيّة التي يريد كلّ إنجيليّ إيصالها إلى الجماعة التي يكتب اليها.

لو 10: 1-7

بَعْدَ ذلِكَ عَيَّنَ الرَّبُّ اثْنَينِ وَسَبْعِينَ آخَرِين، وَأَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ كانَ مُزْمِعًا أَنْ يَذْهَبَ إِلَيه. وَقالَ لَهُم: "إِنَّ الحِصَادَ كَثِير، أَمَّا الفَعَلةُ فَقَلِيلُون. أُطْلُبُوا إِذًا مِنْ رَبِّ الحِصَادِ أَنْ يُخْرِجَ فَعَلةً إِلى حِصَادِهِ. إِذْهَبُوا. هَا إِنِّي أُرْسِلُكُم كَالحُمْلانِ بَيْنَ الذِّئَاب. لا تَحْمِلُوا كِيسًا، وَلا زَادًا، وَلا حِذَاءً، وَلا تُسَلِّمُوا عَلَى أَحَدٍ في الطَّرِيق. وأَيَّ بَيْتٍ دَخَلْتُمُوه، قُولُوا أَوَّلاً: أَلسَّلامُ لِهـذَا البَيْت. فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ ابْنُ سَلامٍ فَسَلامُكُم يَسْتَقِرُّ عَلَيه، وَإِلاَّ فَيَرْجِعُ  إِلَيْكُم. وَأَقيمُوا في ذلِكَ البَيْتِ تَأْكُلُونَ وَتَشْرَبُونَ مِمَّا عِنْدَهُم، لأَنَّ الفَاعِلَ يَسْتَحِقُّ أُجْرَتَهُ. وَلا تَنْتَقِلوا مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْت". 

يبدأ لوقا نصّه بعبارة "بعد ذلك"، ويعني بذلك بعد التعليم الّذي أعطاه يسوع لتلاميذه عن نوعيّة التلميذ الّذي يريده يسوع: المتجرّد، مثل معلّمه لا مكان له يلجأ إليه (لو 9، 58-59)، التلميذ الّذي يقدّم مشروع الرّب على مشاريعه الخاصّة، وحبّ الرّب على حبّه لأقربائه (لو 9، 61- 62).

والآن يأخذ يسوع المبادرة، لم يعد "يسوع" بل صار "الرّب يسوع"، تأكيداً من لوقا أن هذه الدعوة التي يسمعها الإثنين والسبعين الآن مصدرها الله وحده، السّيد هو الّذي يدعو التلاميذ، والإثنان والسبعون يتبعون المسيح الإله، ينالون دعوة إلهيّة، ليسوا هم أتباع قائد بشرّي، أو زعيم سياسيّ، هم لا يتقاسمون عقيدة حزبية أو عقائديّة، بل هم أشخاص إختاروا السّيد، سمعوا دعوته وقرّروا الإلتزام بمخطّطة الخلاصيّ.

إثنين وسبعين آخَرينَ: بعد دعوة الإثني عشر، يختار الرّب الآن الرسل الإثنين والسبعين. إن مخطوطات هذا الإنجيل الأقدم تختلف حول النّص، فمنها من يورد "إثنين وسبعين" ومنهم "سبعين". هذا الإختلاف يجد جذوره في العهد القديم، بين من اعتمدوا النّص العبريّ وبين الّذين استعملوا الترجمة السبعينيّة اليونانيّة. في الفصل العاشر من سفر التكوين نجد لائحة لشعوب الأرض كلّها: النّص العبرّي يعطي لائحة بسبعين إسم يمثّلون شعوب الأرض، أمّا النصّ اليونانيّ فيضيف إسمين، ليقول أن شعوب الأرض كانت اثنين وسبعين شعباً. ما يهمّنا نحن في هذا النّص، هو ليس الإختلاف بين مخطوطات الكتاب المقدّس، بل ما يعني الإنجيليّ بهذا العدد الّذي أورده هنا: لقد اختار الرّب هؤلاء الرسل ممثّلين عن شعوب الأرض كلّها، دعوتهم الإنطلاق لحمل بشرى الخلاص إلى الكون بأسره دون تمييز بين يهوديّ أو يونانيّ. هي دعوتنا نحن اليوم أيضاً: إعلان حبّ الرّب لكلّ إنسان، مهما كان لونه وأصله ومعتقده.

 

يَتَقدَّمونَهُ: دعوة الرّسل الآن الإنطلاق أمام الرّب إلى المدن التي يزمع الذهاب اليها. حين دعا الرّب التلاميذ لإتّباعه، دعاهم قائلاً: "سيروا خلفي"، وحين حاول بطرس أن يقاوم مشروع الرّب، قال له يسوع "سرّ خلفي يا شيطان"، فمكان التلميذ هو خلف الرّب، يقتدي به، والشيطان هو الّذي يقف أمام الرّب، في مقابله، ساعياً لعرقلة مخطّط الخلاص. أمّا الآن، فقد حان الأوان لأن يتقدّم التلميذُ معلّمه، فقد صار التلميذ في حالة المسيحيّ الناضج، يعلم هدفه جيّداً، ويحمل قضيّة معلّمه. بانطلاقه أمام المسيح، يصبح مثل يوحنّا المعمدان، صوتاً نبويّاً، يعلن اقتراب الخلاص. هي دعوة كلّ واحد منّا، دعوة كلّ معمّد، أن يجسّد بحضوره شخص المعلّم الّذي أرسله. يجب أن نجسّد حالة التلميذ المستعدّ لوصول سيّده في أيّة لحظة، بفرح وشوق، لا بخوف وقلق. بكلامنا، وبأعمالنا نبشّر بأن ملكوت الله اقترب، وهو بيننا من خلال يسوع المسيح.

 

الحَصادُ كثيرٌ، ولكِنَّ العُمّالَ قَليلونَ. فا‏طلُبوا مِنْ رَبِّ الحَصادِ أنْ يُرسِلَ عُمَّالاً إلى حصادِهِ: في العهد القديم، كانت صورة الحقل الحصاد ترتبط بيوم الدينونة وبمجيء الرّب وسط شعبه (أش 63، 1-6)، لقد اقترب يوم الحصاد الأخير، إقترب الخلاص الّذي يريد الرّب إعطائه للكون بأسره. يقول إرميا النبيّ " إسرائيل مكرسة للرب،باكورة حصاده في الشعوب" (إر 2، 3)، وبالتالي، فإن شعب الله المختار صار بداية حصاد كونيّ شامل، وخلاص الله لا ينحصر بإسرائيل فقط. دعوة الرسل الآن بدأت، للإنطلاق، ولإعلان أن الوقت قد حان ليعطي العالم غلّته، لأنّ الله أرسل الحصّادين للحصاد.

 هذا الخلاص لا يتمّ دون إرادة الإنسان ودون مشاركته، وها هم الرّسل ينطلقون إلى الحصاد. إنطلاقهم هو إعلان لرغبة الإنسان في مشاركة الرّب في خلاصه الشامل. كلّنا نشكّل جزءاً من فريق الرسالة هذا، كلّ معمّد يحمل في طبيعة معموديّته دعوة الرّب له للإنطلاق، للمشاركة في الحصاد وإعلان إنجيل الرّب.

الحصاد كثير لأنّ كلّ الأرض هي حقل خلاص الرّب، والعمّال قليلون لأنّ كلّ واحد منّا يسعى إلى راحته، يقدّم مصلحته على مصلحة البشارة، وهنا يكمن فشلنا في إعلان الإنجيل للكون بأسره. نخاف من التضحية، نخجل من إعلان قيمنا في عصر يسعى إلى اللّذة فقط. بهكذا منطق لن نتحوّل إلى رسل حقيقيّين، والعالم سوف يبقى محتاجاً إلى حصّادين، والحصّادون يصمّون آذانهم.

لا يجب أن نقول: "الحصّادون هم الكهنة والرهبان والراهبات"، ودورنا الصلاة فقط، نعم لقد طلب منّا الرّب الصلاة ليرسل الرّب حصّادين لحقله، وهؤلاء الحصّادون هم كلّ واحد منا، كهنة، مكرّسون، رهبان، راهبات، أباء وأمّهات، شبّان وشابات، عجزة وأطفال، على كلّ معمّد أن يكون عاملاً في حقل الرّب، كلّ واحد بالموهبة التي أوكلت اليه، وبحسب مقدّراته. كلّ واحد في المكان الّذي هو فيه عليه أن يشارك في حصاد العالم: الكاهن في رعيّته، المكرّس في رسالته، الوالدين في تربية أطفالهم، الشبّان في حياتهم وفي لهوهم لا بدّ ان يعكسوا هويّتهم كمؤمنين، كعمّال في حقل المسيح، العجزة في صلاتهم، المرضى في تضحيتهم اليوميّة. كلّنا مدعوّون لأنّ نكون عمّالاً في حقل الرسالة، فلا نرمي عنّا المسؤوليّة، ولا نقول: "هو ليس واجبي"، فحقول العالم تنتظر العمّال، إخوتنا المتألّمون والمرضى، الفقراء والمعوزين، من هم في وحدة وتهميش، من هم في الخطيئة والضياع، من يبحثون عن الخلاص بعبثيّة الّذة واللهو والجنس والمخدّرات، كلّهم ينتظرون كلمة الخلاص، كلّهم ينتظرون حضورنا بجانبهم، فمن خلالنا يلمسون قرب الله وحبّه لكلّ واحد منهم.

ا‏ذهَبوا، ها أنا أُرسِلُكُم مِثلَ الخِرافِ بَينَ الذِئابِ: تعود من جديد صورة الحمل والذئب، صورة رأيناها في إنجيل الأحد الماضي، وقلنا أن الحمل والذئب، هي صور نجدها في العهد القديم: أشعيا النبيّ حين يتكّلم عن حلول ملكوت الله، عن زمن مجيء المسيح ليملك نهائيّاً على الكون، يقول: "فيسكن الذئب مع الخروف، ويبيت النمر بجانب الجدي. ويرعى العجل والشبل معا وصبي صغير يسوقهما" (أش 11، 6) ويقول أيضاً: "الذئب والحمل يرعيان معا، والأسد كبقر يأكل التبن. أما الحية فالتراب يكون طعامها. لا يضرون ولا يفسدون في جبلي المقدس كله هكذا قال الرب " (أش 65، 25)، وبالتالي، فهذا الإرسال للتلاميذ هو ليس إلاّ إعلان لإقتراب ملكوت الله: التلاميذ الحملان أرسلهم الرّاعي يسوع للتبشير الذئاب. هو الخلاص الشامل الّذي جاء الرّب يعلنه.

لا تَحمِلوا مِحفَظَةً، ولا كِيسًا، ولا حِذاءً، ولا تُسلِّموا على أحَدٍ في الطَّريقِ: هي العوامل التي تعوقنا عادة عن إتمام رسالتنا والإستسلام بكلّيتنا للرّب يسوع:

المحفظة هي حيث تُحفظ المقتنيات الثمينة، من مال أو حلى قيّمة أو صكوك ملك بيوت وأراض: هي تجربة المقتنى والمال، هي المادّة التي تعوقنا عن التحرّر الكامل والإستسلام المطلق لرغبة الله ولمشروع الإنجيل.

والكيس هو حيث يوضع الطعام، وشهوة الشبع هي رمز الشهوة الحسيّة، هي رغبتنا الجسديّة وسعينا إلى كلّ لذّة عابرة نحاول أن نملأ من خلالها فراغ قلبنا. هي ملذّات هذا العالم قادرة أن تبعدنا عن هدفنا الأوّل، وعلينا أن نرميها عنّا إذا أردنا أن نكون في خدمة البشارة. لا يطلب الرّب منّا أن لا نفتّش عن الفرح، إنّما أن يكون فرحنا حقيقيّاً، فرحاً يملأ فراغ القلب ويعطينا معنى لوجودنا. الفرح الّذي يجب أن نحمله هو فرح الإنجيل، فرح الإنسان الّذي حصل على غفران الرّب، الّذي يقبل أن يغفر، الإنسان القادر على أن يحبّ، ويساعد، ويضحّي ويبذل الذات. فرحنا هو أن نكون شهوداً حقيقيّين، نحمل الفرح الحقيقيّ ونقدّمه لمن يفتّشون عنه في لّذة لا تقودهم إلاّ إلى اليأس.

أمّا الحذاء فهو منذ القدم علامة السلطة، فالعبد لا يلبس حذاء، وبالحذاء كان الملك يطأ رأس عدّوه حين ينتصر عليه. الحذاء هو رمز القدرة على إتّخاذ القرار دون إذن أحد. أمّا التلميذ فهو مدعوّ لأنّ يضع حرّيته الشخصيّة في خدمة المسيح، وأن يضع مشاريعه في خدمة مشروع المسيح. هو الكائن الّذي يختار بحرّيته أن يكون خادماً لله وللآخرين. هي دعوة لكلّ واحد منّا أن يضع مقدّراته، والنعم التي وهبها الله له في خدمة نشر الإنجيل وفي خدمة خلاص الآخرين وخدمتهم.

هذه العناصر الثلاثة نجدها في تجربة الشيطان للرّب بعد المعموديّة: الممالك التي وعد الشيطان الرّب بها تشبه المحفظة التي نكنز فيها ممتلكاتنا، هي حبّ المادة. والخبز الّذي اقترح الشيطان على الرّب أن يستخرجه من الحجارة هو الكيس الّذي نحفظ فيه خبزنا الماديّ، لذّتنا وفرحنا العابر ونترك الفرح الأبدّي. وتجربة المسيح الثالثة، أن يأمر الملائكة بالتقاطه حين يرمي بنفسه من أعلى الهيكل، تتمثّل هنا بالحذاء، رمز السلطة والتسلّط. هي التجارب نفسها انتصر عليها الرّب، ويساعدنا على الإنتصار، لنصبح مثله، مسيحاً آخر، نحمل إنجيل الخلاص لإخوتنا.

ولا تُسلِّموا على أحَدٍ في الطَّريقِ:

لا يعني هذا الأمر أن على التلاميذ أن يقطعوا كلّ علاقاتهم مع الآخرين، إنّما فعل "سلّم" اليونانيّ يعني أكثر من مجرّد إلقاء التحيّة على شخص نلتقيه. هذا الأمر هو إشارة إلى العهد القديم، وتحديداً إلى رواية إحياء إبن الإمرأة الشونميّة الوحيد، حين أرسل اليشع خادمه لإنقاذ الطفل قال له: "تهيأ للذهاب وخذ عصاي في يدك. إن لقيت أحدا في الطريق فلا تسلم عليه، وإن سلم عليك أحد فلا تجبه، وعند وصولك ضع عصاي على وجه الصبي" (2مل 4، 29)، وفي هذا القول، كما في أمر المسيح للرسل، إشارة إلى أولويّة الرسالة التي يحملها الرسول، وعليه أن يضع تنفيذها في المقام الأوّل، وتقديمها على كلّ علاقاته الإخرى. فملكوت السماوات قد اقترب، وإتمامه ملقى على عاتق التلاميذ وعلى طواعيّتهم.

وأيَّ بَيتٍ دَخَلْتُم، فَقولوا أوّلاً السَّلامُ على هذا البَيتِ. فإنْ كانَ فيهِ مَنْ يُحبُّ السَّلامَ، فسلامُكُم يَحِلُّ بِهِ، وإلاَّ رجَعَ إلَيكُم. 

لا ينفصل هذا السلام الّذي يلقيه التلميذ هنا على البيت الّذي يدخل اليه عن السلام الّذي أعلنه لوقا في بداية إنجيله واضعاً إياه على فم الملائكة: "على الأرض السلام". فالسلام هنا ليس هو التحيّة، بل هو جوهر إنجيل المسيح، هو الرسالة الأساسيّة التي يحملها الرسول إلى البيت الّذي يدخل اليه، إلى الأشخاص الّذين يلتقيهم، إلى كلّ كائن يحتاج إلى سلام القلب. مهمّة الرسول هي تبديل واقع القلب البشريّ، دعوته هي زرع السلام في البيوت التي يزورها، نزع القلق والخوف من قلوبهم واستبدالها بالفرح الحقيقيّ، بفرح بشرى الإنجيل التي تعطي السلام الداخليّ. 

هذا السلام لا يمكنه أن يكون مفروضاً، فالسلام الّذي يهبه المسيح يجب أن يُقبل بحرّية وبرغبة، ولا يمكنه أن يبقى من طرف واحد، فسلام الروح القدس لا يتساكن وشرّ العالم، لا يمكن لسلام المسيح المحرّر أن يحلّ في قلب مملوء حقداًً ورغبة بالإنتقام، ولا بمن يرفض الصفح والدخول في علاقة مسالمة مع الآخر. لا يمكن أن يكون في قلب واحد، في بيت واحد، سلام المسيح وعنف الإنسان وقسوته. سلام الرّب يحلّ على "إبن السلام"، أي على الشخص الّذي يقبل إرادة الله في حياته، الشخص المستعد لأنّ يكون على صورة المسيح "أمير السلام"، يقابل العنف بالسلام، والشرّ بالخير، والأنانيّة بالعطاء. سلام الرّب لا يمكن أن يحلّ إلاّ في قلب من هو مستعدّ لإعلان قيم الإنجيل وأن كانت كلفة هذا الإعلان الشتم وهزء الآخرين به. ليحلّ سلام الرّب في قلب الإنسان، لا بدّ أن يقبل الإنسان أن يحوّل قلبه إلى صورة قلب المسيح المطعون بالحربة وهو البريء الطاهر. قبول السلام يحوّلنا إلى مسيح آخر.

وأقيموا في ذلِكَ البَيتِ، تأكُلونَ وتَشربونَ مِمّا عِندَهُم، لأنَّ العامِلَ يَستَحِقُّ أُجرتَهُ، ولا تَنتَقِلوا مِنْ بَيتٍ إلى بَيتٍ.

هي طبعاً إرشادات عمليّة إلى طريقة ممارسة الرسالة، ولكن لا بدّ أن نميّز أيضاً حياة الكنيسة الأولى، التي كانت تلتقي في بيت واحد من المؤمنين، لكسر الخبز الإفخارستيّ، هي الكنيسة المنزليّة، حيث على الرسول أن يشارك جماعة الموعوظين حياتهم الإيمانيّة. في البيت الّذي يقبل السلام تحلّ الكنيسة كلّها، تصبح جماعة المؤمنين عائلة واحدة تتقاسم الخبز الواحد، تقدّم للرسول ممّا عندها، لأنّ الرسول يحمل البشارة كسفير للمسيح لا يملك شيئاً، يقتات من فضل الله عليه من خلال الجماعة الكنسيّة. بدل تعبه يناله لا بالمال أو بالهدايا، بل بالقوت الّذي يحتاجه ليحيا، وليبشّر. لا ينتقل من بيت إلى بيت، لأنّه لا يسعى إلى الرّبح ولا إلى جمع الأموال، وهدفة ليس التفتيش عن معارف وصداقات. هو يحلّ في "بيت السلام"، ليحوّله إلى نقطة لقاء مع الجماعة، إلى واحة صلاة، إلى اجتماع عائلة تتخطّى حدود القرابة الدمويّة، لتصبح عائلة كنسيّة، عائلة شاملة، وهكذا يصبح دور الرسول تحويل الكون بأسره إلى عائلة واحدة مجتمعة حول وليمة واحدة، وليمة الخبز الإفخارستيّ المكسور.

 

في سنة الكاهن هذه، سنة الرسول الّذي ينطلق إلى العالم بأسره باسم المسيح ليعلن إنجيل السلام، نرفع الصلاة إلى الآب السماويّ، أب كلّ رحمة، ليحّول اليه قلوبنا، فلا نفتّش سوى عن السلام الحقّ الّذي يهبه لنا، لكيما بسعينا إلى الخير الحقيقيّ والوحيد، والسلام الحقيقيّ والوحيد، وبالخير الّذي نصنعه باسم المسيح، تصبح حياتنا بأكملها مكّرسة لمجد اسمه ولإعلان إنجيل يسوع، إنجيل السلام والحبّ والخلاص، بشفاعة مريم أمّ الكهنة وسلطانة الرسل والمبشّرين. آمين.